[ ص: 222 ] الوجه الثاني: وهو الكلام بذلك في حق الله سبحانه وتعالى، فإن كان من لوازم هذه الطريقة نفي ما جعلوه من سمات الحدوث عن الرب تعالى، فإن تنزيهه عن سمات الحدوث ودلائله أمر معلوم بالضرورة، متفق عليه بين جميع الخلق، لامتناع أن يكون صانع العالم محدثا، لكن الشأن فيما هو من سمات الحدوث، فإنه في كثير من ذلك نزاعا بين الناس، أما سائر الأعراض، ففي حدوثها نزاع بينهم مشهور، لكن قد يقولون: إنها لا تقوم إلا بجسم، وكل جسم محدث، فيلزم حدوث كل صفة وموصوف، فيلزم من ذلك أن ينفى عنه أن يوصف بذلك، لئلا يلزم حدوثه، فتكلموا في أن الله هل هو جسم أو ليس جسما؟، وأنه هل له صفات أم لا؟، وهل يقال: له أعراض أم لا؟ وما يتبع ذلك. وأهل هذه الطريقة إنما استدلوا على حدوث العالم، بما جعلوه دليلا على حدوث الأجسام، وإنما استدلوا على ذلك بحدوث صفاتها، التي يسمونها الأعراض، والمشهور إنما هو حدوث الحركات وتوابعها،
فذهبت المعتزلة ومن وافقها من سائر الجهمية إلى أنه يمتنع أن يكون الرب جسما، ويمتنع أن تكون له صفة، فإن ذلك أعراض، وبالغوا في النفي ظانين أن ذلك كله تنزيه، وقالوا: الباري لا يكون محلا للأعراض ولا للحوادث، ولا يكون في [ ص: 223 ] أبعاض ولا تقدير، ومقصودهم بنفي الأعراض نفي الصفات، فلا تقوم به عندهم حياة، ولا علم ولا قدرة، ولا كلام، ولا سمع ولا بصر، ولا رضى ولا غضب، ولا حب ولا بغض، ولا غير ذلك، وكل ما يضاف إلى الرب من ذلك، فإن كان موجودا فهو مخلوق، وكلامه عندهم أنه خلق في بعض الأجسام كلاما، ورضاه وغضبه نفس ما يخلقه من النعيم والعذاب، وأمثال ذلك، وقالوا: لا ينزل ولا يجيء ولا يأتي، ولا كذا، فإن هذه الأمور هي الحوادث، وهو ليس محلا للحوادث، وصار هؤلاء يقولون متى قيل: "إنه جسم أو موصوف" لزم أن يكون محدثا، وقابل هؤلاء طوائف من متكلمة الشيعة والمرجئة وغيرهم، فقالوا: بل هو جسم ومتحيز، وله صفات تقوم به، وأفعال تقوم به، كالحركة والسكون، وحكى عنهم من الزيادة في الإثبات أمورا، كما بالغ أولئك، وصار هؤلاء يقولون: متى قيل: ليس بجسم أو ليس بموصوف، لزم أن يكون معدوما، ولا معنى للجسم إلا الموجود والقائم بنفسه، وقد ذكر في كتاب «المقالات» مقالة الطائفتين، مع أنه يحكي ذلك كما وجده في كتب أبو الحسن الأشعري المعتزلة، فإنه كان أعلم بمقالتهم، وما نقلوه عن مخالفيهم من قول غيرهم، لأنه كان منهم وبقي على مذهبهم أربعين سنة، ثم انتقل إلى نحو من [ ص: 224 ] مذهب وما يقاربه من مذهب أهل السنة والحديث، ولهذا يوجد علمه بمقالات المعتزلة علما مفصلا محكما، وأما علمه بمقالات أهل السنة والحديث، فهو علم بمجمل ذلك، التي بلغته عنهم، لا علم بمفصل، كعلمه بمقالات المعتزلة، مع أن ابن كلاب لم يذكر مجسما لطائفة من الطوائف في كتابه، خارجة عما ذكره، بل قال: «هذا ذكر الاختلاف، واختلف المسلمون عشرة أصناف: الأشعري الشيعة والخوارج، والمرجئة، والمعتزلة، والجهمية، والضرارية، والحسينية -يعني أتباع حسين النجار- والبكرية، والعامة وأصحاب الحديث، والكلابية - أصحاب ثم ذكر عبد الله بن كلاب القطان» الشيعة، وذكر أن وأنه إنما صار إلى نفيه وموافقة المعتزلة قوم من متأخريهم، وذكر أن أكثر الإمامية كانوا يقولون بالتجسيم، الزيدية نوعان: نوع [ ص: 225 ] يثبت الصفات ونوع ينفيها، وذكر الخوارج، وأن قولهم في أكثر التوحيد قول المعتزلة، قال: «واختلف المرجئة في التوحيد، فقال قائلون منهم في التوحيد بقول المعتزلة وسنشرحه، وقال قائلون بالتشبيه».