فصل
قال الرازي: البرهان السادس: وهذا محال، فذلك محال. بيان الملازمة: أنه تعالى لو كان مختصا بحيز لكان معنى كونه شاغلا لذلك الحيز كونه، بحيث يمنع غيره أن يكون بحيث هو، ولو كان كذلك لكان متحيزا، وقد بينا في الفصل المتقدم أن المتحيزات بأسرها متماثلة في تمام الماهية [ ص: 61 ] فثبت أنه تعالى لو كان متحيزا لكان مثلا لسائر المتحيزات. وإنما قلنا إن ذلك محال لأن المثلين يجب تساويهما في جميع اللوازم، فلزم إما حدوث الكل، وإما قدم الكل. وذلك محال. لو كان تعالى مختصا بشيء من الأحياز والجهات لكان مساويا للمتحيزات.
فإن قيل: حصول الشيء في الحيز وكونه مانعا لغيره أن يحصل بحيث هو حكم من أحكام الذات، ولا يلزم من الاستواء في الأحكام واللوازم الاستواء في الماهية. والجواب عنه من وجهين:
الأول: أن أحدها أنه حاصل في الحيز شاغل له. المتحيز حصل له أحكام ثلاثة:
[ ص: 62 ] والثاني: كونه مانعا لغيره بأن يحصل بحيث هو.
والثالث: كونه بحال لو ضم إليه أمثاله حصل حجم كبير ومقدار عظيم ولا شك أن كلما يحصل في الحيز فقد حصل له هذه الأمور الثلاثة، إلا أن الذات الموصوفة بهذه الأحكام الثلاثة لا بد وأن يكون لها في نفسها الحجمية والمقدار وهذا المعنى معقول مشترك بين كل الأحجام. ثم إنا قد دللنا على أن هذا المفهوم المشترك يمتنع أن يكون صفة لشيء آخر، بل لا بد وأن يكون ذاتيا، وإذا كان كذلك فالمتحيزات في ذواتها متماثلة، والاختلاف إنما وقع في الصفات، وحينئذ يحصل التقريب المذكور.