وهكذا كان السلف يقولون عن قول الجهمية إنهم لما قالوا إن الله ليس على العرش وأنه لا يكون في مكان دون مكان: صاروا تارة يقولون إنه في كل مكان، ويقول من يقول منهم إنه موجود لا نهاية لذاته، فيجعلونه من الموجودات المخلوقة أو نفس وجودها وتارة يقولون ليس في مكان أصلا ولا داخل العالم ولا خارجه، فيجعلونه كالمعدومات، فهم دائما مترددون إما يجعلونه كالمخلوقات وإما أن يجعلوه كالمعدومات؛ فالأول يكثر في عبادهم ومتصوفتهم، والثاني يكثر في علمائهم ومتكلمتهم. بين الإشراك وبين التعطيل،
ولهذا لما كان صاحب الفصوص ونحوه من القسم الأول جعلوه نفس الموجودات وجوزوا كل شرك في العالم، وجعلوه نفس العابد والمعبود والناكح والمنكوح والشاتم والمشتوم، وقالوا: ما عبد أحد إلا الله، ولا يمكن أحد أن يعبد إلا الله، بل لا يتصور أن يكون العابد والمعبود عندهم [ ص: 784 ] إلا الله، ولما كان صاحب التأسيس ونحوه من القسم الثاني جعلوه كالمعدومات المحضة؛ ولهذا يقال فيهم: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئا، وهذا هو ومتصوفتهم يعبدون كل شيء، وهذا نهاية التعطيل، نهاية الإشراك.