ثم قال: وإن سلمنا أن ما ذكرتموه يدل على أن الحصول في الحيز زائد على ذات الجسم، لكن معنا ما يدل على نفي ذلك، وهو أمور ثلاثة: [ ص: 598 ] الأول: وهو أن الحصول أمر نسبي، فلو كان الحصول في الحيز أمرا ثبوتيا للزم أن يكون الحيز أمرا ثبوتيا وهو باطل؛ لأنه لو كان موجودا لكان إما أن يكون حالا في الجسم أو لا يكون حالا فيه، فإن كان حالا في الجسم لم يكن الجسم حالا فيه، فلا يكون حيزا للجسم وإن لم يكن حالا فيه، فإما أن يكون ذا حيز أو لا يكون. والأول يقتضي التسلسل. والأمور النسبية تستدعي وجود أمرين لتتحقق بينهما تلك النسبة،
ثم ذكر الثاني والثالث، وليس هذا ذكر موضعهما ثم إنه في الجواب سلم أن الحيز ليس أمرا وجوديا، وأجاب عما ذكروه، فقال: قوله الحصول في الحيز أمر نسبي [ ص: 599 ] فوجوده في الخارج يستدعي وجود الحيز في الخارج، قلنا: هذا باطل بالعلم؛ فإنه نسبة أو ذو نسبة بين العالم والمعلوم، ثم إنا نعلم به المحالات ولا وجود لها في أنفسها، مع أن النسبة المسماة بالعلم حاصلة موجودة، فعلمنا أن وجود النسبة لا يقتضي وجود كل واحد من المنتسبين.
وقال في نهايته في آخر هذه الطريقة: واعلم أن هذه الطريقة مبنية على جواز خروج كل جسم عن حيزه، وقد دللنا على ذلك بما مر، ويمكن أن يستدل عليه بوجوه أخر، منها: أن نقول: لو وجب حصول جسمين في حيز لكان الحيز الذي حصل فيه الجسم الآخر إما أن يكون مخالفا للحيز الأول أو لا يكون، فإن كان مخالفا له كان أمرا ثبوتيا؛ لأن العدم الصرف والنفي المحض لا يتصور فيه الاختلاف؛ لأن المعقول في الاختلاف أن تكون حقيقته غير قائمة مقام الحقيقة الأخرى، وذلك يستدعي حقائق متعينة في أنفسها، وذلك في العدم محال، ولما بطل ذلك ثبت أن الأحياز لو كانت [ ص: 600 ] متخالفة لكانت أمورا وجودية، وهي إما أن يكون مشارا إليها أو لا يكون. والقسم الأول على قسمين: إما أن تكون حالة في الأجسام، فحينئذ يستحيل حصول الجسم فيها، وإلا لزم الدور. أو لا تكون حالة في الأجسام مع أنه يمكن الإشارة إليها، وذلك هو المتحيز فيكون الحيز متحيزا وكل متحيز فله حيز وللحيز حيز آخر، ولزم التسلسل. وإن لم يكن الحيز مشارا إليه استحال حصول الجسم المشار إليه فيه، قال: فثبت أن الحيز نفي محض، وأنه إذا كان كذلك استحال أن يخالف حيزا.