وأما قوله: المراد من كونه مختصا بالحيز [ ص: 589 ] كونه منفردا عن العالم أو ممتازا عنه أو مباينا عنه. قلنا: هذه الألفاظ كلها مجملة فإن الانفراد والامتياز والمباينة قد تذكر ويراد بها المخالفة في الحقيقة والماهية، وذلك مما لا نزاع فيه ولكنه لا يقتضي الجهة، والدليل على ذلك هو أن وهذه المخالفة والمباينة ليست بالجهة؛ فإن امتياز ذات الله تعالى عن الجهة يكون بجهة أخرى، وإلا لزم التسلسل. وقد تذكر هذه الألفاظ ويراد بها الامتياز في الجهة، وهو كون الشيء بحيث يصح أن يشار إليه بأنه هاهنا أو هناك، وهذا هو مراد الخصم من قولهم إنه تعالى مباين عن العالم أو منفرد عنه وممتاز عنه إلا أنا بينا بالبراهين القاطعة أن هذا يقتضي كون ذلك الحيز [ ص: 590 ] أمرا موجودا ويقتضي أن المتحيز يحتاج إلى الحيز. حقيقة ذات الله تعالى مخالفة لحقيقة الحيز والجهة،
قوله: الأجسام حاصلة في الأحياز. فنقول: غاية ما في الباب أن يقال: الأجسام تحتاج إلى شيء آخر، وهذا غير ممتنع. أما كونه تعالى محتاجا في وجوده إلى شيء آخر فممتنع، فظهر الفرق.
يقال: هذه الحجة وغيرها من الحجج كلها مبنية على أن القول بكونه فوق العرش يستلزم أن يكون متحيزا كما قدمه في الحجة الأولى، فقد تقدم أن هذا فيه نزاع مشهور بين الناس من مثبتة الصفات ونفاتها؛ فإن كثيرا من الصفاتية من الكلابية والأشعرية وغيرهم من الفقهاء والصوفية وأهل الحديث يقولون ليس بجسم وهو فوق العرش، وقد يقولون ليس بمتحيز وهو فوق العرش إذا كان المراد بالمتحيز الجسم أو الجوهر الفرد.
[ ص: 591 ] وكثير منهم من الكرامية والشيعة والفقهاء والصوفية وأهل الحديث يقولون: هو فوق العرش وهو جسم وهو متحيز، ولكن منهم من يقول ليس بمركب ولا منقسم ولا ذي أجزاء وأبعاض، ومنهم من لا ينفي ذلك.