فما يذكر من التشبيه والتمثيل الذي يعود إلى معنى عام كلي يشتركان فيه، وفي أحدهما يجعل الذهن العدد واحدا وفي الآخر يجعل الواحد عددا لكن باعتبارين صحيحين لا يخالف ما هو عليه الحقيقة في نفس الآخر؛ لهذا تغلط الأذهان هنا كثيرا؛ لأن بين ما في الأذهان وما في الأعيان مناسبة ومطابقة، وهو من وجه مطابقة العلم للمعلوم ومخالفة من وجه، وهو أن ما في النفس من العلم ليس مساويا للحقيقة الخارجة، فلأجل ما بينهما [ ص: 494 ] من الائتلاف والاختلاف كثر بين الناس الائتلاف والاختلاف، ومن فهم ما يجتمعان فيه ويفترقان زاحت عنه الشبهات في هذه المحارات. وما يذكر من الأجزاء والصفات الذي يعود إلى معان تتميز في الذهن فيركبها ويؤلفها هو الذي عليه مدار باب التشبيه والتمثيل وباب التجسيم الذي هو التركيب،
والغرض في هذا الوجه الذي يقال في مواقع الإجماع بين الخلائق التي لابد من إثبات شيء منها لكل عاقل في كل موجود يقال في مواقع النزاع بين مثبتة الصفات ونفاتها؛ ولهذا يقال: ما من أحد ينفي صفة من الصفات التي وردت بها النصوص أو يتأولها على خلاف مفهومها فرارا من محذور ينفيه إلا ويلزمه فيما أثبته نظير ما فر منه فيما نفاه، فسبحان من لا ملجأ منه إلا إليه، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ونعوذ بك منك، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.
[ ص: 495 ] وهذا القدر وإن كان فيه رد على الطائفتين فيما نفته بغير حق فلا يضر في هذا المقام، فإن المقصود هنا حاصل به وهو أن هؤلاء المثبتة لعلو الله على عرشه مع نفيهم ما ينفونه يلزمون نفاة العلو على العرش بأعظم مما يلزمونهم به .