فاستدرك حجة مثل هذه الحجة فقال للسمني: ألست تزعم أن فيك روحا؟ قال: نعم، قال: فهل رأيت روحك؟ قال: لا، قال: فهل سمعت كلامه؟ قال: لا، [ ص: 449 ] قال: فهل وجدت له حسا أو مجسا؟ قال: لا، قال: فكذلك الله لا يرى له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحة، وهو غائب عن الأبصار ولا يكون في مكان دون مكان. الجهم
فهذا الذي حكاه من مناظرة الإمام أحمد السمنية المشركين هو كما ذكره أهل المقالات والكلام عنهم أنهم لا يقرون من العلوم إلا بالحسيات، ولكن قد يقول بعض الناس إنهم أرادوا بذلك أن ما لا يدركه الإنسان بحسه فإنه [ ص: 450 ] لا يعلمه حتى يقولوا عنهم إنهم ينكرون المتواترات والمجربات والبديهات، وهذا والله أعلم غلط عليهم. للجهم
كما غلط هؤلاء في نقل مذهب السوفسطائية فزعموا أن فرقة من الناس تنكر وجود شيء من الحقائق، ومن المعلوم أن أمة يكون لهم عقل يفارقون به المجانين لا يقولون هذا، ولكن قد تقع السفسطة في بعض الأمور وبعض الأحوال وتكون كما فسرها بعض الناس أن هي كلمة معربة وأصلها [ ص: 451 ] يونانية سوفسقيا، ومعناها الحكمة المموهة؛ فإن لفظ سوفيا يدل في لغتهم على الحكمة؛ ولهذا يقولون فيلاسوفا أي محب الحكمة، فلما كان من القضايا ما يعلم بالبرهان ومنه ما يثبت بالقضايا المشهورة وبعضها يناظر فيه بالحجج المسلمة وبعضها تتخيله النفس وتشعر به فيحركها وإن لم [ ص: 452 ] تكن صادقة وهي القضايا الشعرية، ومنها ما يكون باطلا لكن يشبه الحق، فهذه الحكمة المموهة هي المسماة بالسفسطة عند هؤلاء، وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع. السفسطة