وأيضا فمن المثبتة الضلال من يقول إن الله متحيز بهذا [ ص: 307 ] الاعتبار؛ مثل من يقول إنه ينزل عشية عرفة على جمل أورق فيصافح المشاة ويعانق الركبان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه في الطواف أو في بعض سكك المدينة، وأن مواضع الرياض هي مواضع خطواته ونحو ذلك مما فيه من وصفه بالتحيز أمر باطل مبني على أحاديث موضوعة ومفتراة؛ ولهذا تجد طوائف من المسلمين يتباغضون ويتعادون أو يختصمون أو يقتتلون على إثبات لفظ ونفيه، والمثبتة يصفون النفاة بما لم يريدوه والنفاة يصفون المثبتة بما لم يريدوه؛ لأن اللفظ فيه إجمال واشتراك يحتمل معنى حقا ومعنى باطلا؛ فالمثبت يفسره بالمعنى الحق والنافي يفسره بالمعنى الباطل [ ص: 308 ] ثم المثبت ينكر على النافي بأنه جحد من الحق والنافي ينكر على المثبت أنه قال على الله الباطل، وقد يكون أحدهما أو كلاهما مخطئا في حق الآخر، وسبب ذلك مع اشتراك اللفظ نوع جهل أو نوع ظلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. الإجمال والاشتراك الذي يوجد في الأسماء نفيا وإثباتا
وإذا كان القول بأن الله فوق العرش وفوق العالم، ولوازم هذا القول الذي يلزمه بالحق لا بالباطل هو قول سلف الأمة وأئمتها وعامة الصفاتية لم يكن رد هذا المؤسس ونحوه على طائفة أو طائفتين بل على هؤلاء كلهم، وقد ذكرنا بعض ما يعرف به مذاهبهم في غير هذا الموضع؛ فإن المقصود الأكبر هنا إنما هو النظر العادل فيما ذكره من دلائل الطرفين ليحكم بينهما بالعدل، وأما ما للمثبتة من الحجج التي لم يذكرها هو وذكر القائلون بالإثبات فلم يكن ذلك هو المقصود لكن [ ص: 309 ] الكلام يحوج إلى ذكر بعضه، فينبه على ذلك، فمن ذلك طائفة هذا المؤسس؛ وهم وأتباعه؛ فإن قدماءهم جميعهم وأئمتهم الكبار كلهم متفقون على أن الله فوق العرش ينكرون ما ذكره هذا المؤسس وطائفة معه؛ أبو الحسن الأشعري كأبي المعالي وأبي حامد من نفي ذلك أو تأويل آيات القرآن؛ كقوله: ثم استوى بمعنى استولى، وقد ذكرت قبل ذلك [ ص: 310 ] لفظ في كتاب الإبانة؛ حيث قال: أبي الحسن الأشعري