وهم يفسرون الواحد والتوحيد بما ليس هو في كتاب الله وسنة رسوله وليس هو التوحيد الذي أنزل الله به كتبه وأرسل به رسوله، وهذا أصل عظيم تجب معرفته. معنى الواحد والتوحيد
فقال الجهمية والمعتزلة والفلاسفة ونحوهم: الواحد هو الذي لا صفة له ولا قدر ويعبرون عن هذا المعنى بعبارات؛ فيقول من يريد هذا المعنى من نفاة الصفات من الفلاسفة وأمثاله: إن واجب الوجود واحد من كل وجه ليس فيه أجزاء حد ولا أجزاء كم، أو يقال: ليس فيه [ ص: 101 ] كثرة حد ولا كثرة كم، أو يقال: ليس فيه تركيب المحدود من الجنس والفصل ولا تركيب الأجسام. ومقصود هذه العبارات أنه ليس لله صفة ولا له قدرة. كابن سينا
وكذلك تقول الجهمية من المعتزلة وغيرهم: إن القديم واحد ليس معه في القدم غيره ولو قامت به الصفات لكان معه غيره، وأنه ليس بجسم؛ إذ الجسم مركب مؤلف منقسم، [ ص: 102 ] وهذا تعديد ينافي التوحيد.
أو يقولون أيضا إن ثبوت الصفات يقتضي كثرة وعددا في ذاته، وذلك خلاف التوحيد ويسمون أنفسهم الموحدين، والعلم الذي يعلم له هذا علم التوحيد، وهذا عندهم أول الأصول الخمسة؛ التي هي عندهم: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن هنا أخذ محمد بن التومرت هذا اللقب وسمى [ ص: 103 ] طائفته الموحدين، ووضع لهم المرشدة المتضمنة لمثل عقيدة المعتزلة وغيرهم من الجهمية في التوحيد، ولم يذكر اعتقاد الصفاتية كابن كلاب فضلا عن اعتقاد السلف والأئمة، لكن ذكر في القدر مذهب أهل الإثبات، وهذا [ ص: 104 ] الذي ذكر يشبه قول والأشعري، حسين النجار وكان وضرار بن عمرو، حفص الفرد من أصحاب النجار وكان برغوث من [ ص: 105 ] أصحاب ضرار وذاك خصم [ ص: 106 ] وهذا من خصوم الشافعي أحمد.
وذهب حسين النجار وطائفة من المعتزلة إلى أن معنى الواحد هو الذي لا شبيه له كما يقول: فلان واحد دهره، وقد يقولون: التوحيد يجمع المعنيين جميعا؛ فالأول نفي التجسيم وهذا نفي التشبيه؛ فإن نفي الصفات عندهم هو نفي التجسيم وهذا نفي التشبيه والتوحيد ينافي التشبيه والتجسيم، وجماع قولهم إن التوحيد يجمع ثلاث معان:
أنه واحد في نفسه لا صفة له وقدر فليس بمركب [ ص: 107 ] ولا محدود ولا موصوف بصفة تقوم به وهو أيضا واحد لا شبيه له؛ فهذان نفي التجسيم والتشبيه.
والثالث أنه واحد في أفعاله لا شريك له، وهذا الثالث هو متفق عليه بين المسلمين لكن الناس يقولون هذا التوحيد لا يتم للقدرية الذين يجعلون بعض العالم مفعولا لغير الله ويجعلون من يفعل كفعل الله؛ فإن هذا إثبات شريك له في الملك ثم إن المعتزلة وغيرهم من الجهمية وإن وافقهم بقية المسلمين على نفي التشبيه فإنهم يدخلون في اسم التشبيه كل من أثبت لله صفة كما هو معروف عنهم؛ ولذلك نقله عنهم الأئمة كما ذكره في الرد عليهم، فقال في وصف الإمام أحمد وتأول القرآن على غير تأويله وكذب بأحاديث [ ص: 108 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزعم أن من وصف من الله شيئا وصف به نفسه في كتابه أو حدث عنه رسوله صلى الله عليه وسلم كان كافرا وكان من المشبهة، فأضل بكلامه بشرا كثرا وتبعه على قوله رجال من أصحاب الجهم وأصحاب أبي حنيفة عمرو بن عبيد بالبصرة [ ص: 109 ] ووضع دين الجهمية.
وأكثر الشيعة المتأخرين على هذا التوحيد ونفي القدر، وأما الشيعة المتقدمون الذين أدركوا زمن الأئمة فكان [ ص: 110 ] جمهورهم على الإثبات، وغالب الإمامية مصرحون بالتجسيم.
قلت: أصحاب عمرو بن عبيد هم المعتزلة، فإن هو الإمام الأول الذي ابتدع دين عمرا المعتزلة هو وواصل بن عطاء [ ص: 111 ] وأما الذين اتبعوه من أصحاب فهم من جنس الذين قاموا بأمر محنة المسلمين على دين أبي حنيفة الجهمية لما دعوا الناس إلى القول بخلق القرآن وغيره من أقوال الجهمية، وهم مثل بشر المريسي، وأحمد بن أبي دواد قاضي القضاة وأمثالهم.
ولما أدخلت الجهمية هذا النفي الذي ابتدعوه في مسمى التوحيد أظهر المسلمون خلافهم من الأئمة والفقهاء وأهل الحديث والكلام كما..
وروى أبو عبد الرحمن السلمي ومن طريقه عن شيخ [ ص: 112 ] الإسلام الأنصاري قال: دخلت على عبد الرحمن بن مهدي، وعنده رجل يسأله عن القرآن، فقال: لعلك من أصحاب مالك عمرو بن عبيد؟ لعن الله فإنه ابتدع هذه البدع من الكلام، ولو كان الكلام علما لتكلم فيه الصحابة والتابعون كما تكلموا في الأحكام والشرائع، ولكنه باطل يدل [ ص: 113 ] على باطل. عمرا؛