الوجه الثالث: أن هذه الحكاية تقتضي أن الناس كانوا قبل ابتداع الشرك على المذهب الذي سماه مذهب المشبهة وأنهم كانوا حينئذ يعتقدون أن إله العالم نور عظيم فلما اعتقدوا ذلك اتخذوا وثنا كما ذكره، فيكون هذا الاعتقاد هو مذهب القوم في الدهر الأقدم قبل عبادة الأوثان، ثم إنه بسبب هذا الاعتقاد استحسنوا عبادة الأوثان، ومعلوم أن الذي لا يقبل الله من أحد غيره، كما قال تعالى: الناس كانوا قبل الشرك على دين الله وفطرته التي فطر الناس عليها، وهي دين الإسلام العام وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم [يونس 19] . وقال تعالى: كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه [البقرة 213] وقد ثبت عن رضي الله عنهما أنه قال: كان بين ابن [ ص: 66 ] عباس آدم ونوح عشرة قرون، كلها على الإسلام، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر في حديث الشفاعة عن نوح قول أهل الموقف له: وقد قال تعالى: [ ص: 67 ] وأنت أول نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت [النحل 36]، فإذا كان الله تعالى قد بعث في كل أمة رسولا يدعوها إلى عبادة الله وحده لا شريك له واجتناب الطاغوت، ونوح أول من بعثه الله تعالى إلى أهل الأرض؛ علم أنه نوح مشركون، كما قال لم يكن قبل قوم ابن العباس، وإذا كان كذلك وأولئك على الإسلام ومذهبهم هو المذهب الذي سماه مذهب المشبهة ثبت بموجب هذه الحكاية أن هذا هو مذهب الأنبياء والمرسلين والمسلمين من كل أمة .