قلت: قد عرف أن هذا الرجل يرى رأي الفلاسفة ، وأن ما أخبرت به الرسل في الإيمان بالله واليوم الآخر أكثره أمثال [ ص: 451 ] مضروبة، وهذا من أفسد الآراء، وهو قول حذاق المنافقين الزنادقة. وإن كانوا قد لا يعلمون أن ذلك نفاقا وزندقة، بل يحسبونه كمال التحقيق والمعرفة، كما يحسب ذلك هؤلاء المتفلسفة. وليس هذا الموضع موضع بيان لذلك.
وإنما المقصود أنه مع كونه في الباطن يرى رأي الفلاسفة والمعتزلة في الرؤية وأنها مزيد علم كما يرى نحوا منه طائفة من متأخري الأشعرية. فقد علم أنه لا يمكن إثبات الرؤية التي أخبر بها الشارع مع نفي ما يقولونه إنه الجسم، بل إثباتها مستلزم لما يقولون إنه الجسم والجهة. فقد تبين أنه من جمع بين هذين فإنه مكابر للمعقول والمحسوس، وهذا مما قد بينه بالدليل فيقبل منه.
وأما زعمه أنها في الباطن مزيد علم. فهو لم يذكر عليه دليل حجة، وقد بين فيما تقدم أنه لا حجة له على أصل [ ص: 452 ] ذلك وهو نفي كونه جسما إلا إثبات أن النفس الناطقة ليست بجسم، وبين فساد ما احتج به المتكلمون على أنه ليس بجسم بحجج واضحة، ومعلوم أن الأصل الذي بنى عليه هو هذا النفي "وهي مسألة النفس" أضعف بكثير، وأن جمهور العقلاء يضحكون مما يقوله هؤلاء في النفس من الصفات السلبية أكثر مما يضحكون ممن يثبت رؤية مرئي ليس هو في اصطلاحهم بجسم ولا في جهة، كما قد بيناه في غير هذا الموضع.
وأما دعواه ودعوى غيره من الجهمية من المعتزلة ونحوهم: أن مزيد علم. فمن سمع النصوص علم بالاضطرار أن الرسول إنما أخبر برؤية المعاينة. الرؤية التي أخبر بها الرسول