السابع: أنه إنما أثبت فإن الوهم والخيال لا ينفي ما لم يكن مثاله موجودا فيه؛ بل غاية ما ذكره انتفاء المثل في الوجود، والوهم والخيال لا ينفي ما لا مثل له؛ بل الوهم والخيال من أعظم الأشياء إثباتا لما لا نظير له فيما يقدره ويصوره من الأمور التي تكون موجودة فيه وليس لها نظير في الخارج. أن أفعال الله تعالى وصفاته ليست مماثلة لأفعالنا وصفاتنا، وذلك لا يقتضي كونها ثابتة على خلاف الوهم والخيال،
وأما قوله: (فهذه الدلائل العشرة دالة على أن كونه منزها عن الحيز والجهة ليس أمرا يدفعه صريح العقل، وذلك تمام [ ص: 319 ] المطلوب ).
فقد تبين بأدنى نظر أنه ليس فيها وجه واحد يبين إمكان وجود ذلك لا الإمكان الذهني، ولا الخارجي -أعني لم يثبت أن العقل يعلم إثبات ذلك، ولا أنه لا يعلم امتناعه- ولو لم يكن عندنا اعتقاد ينفي إمكان ذلك بضرورة أو نظر، فكيف إذا كان اعتقاد امتناع ذلك معلوما بالضرورة؟ ! وقد تقدم أن ما اعتقد امتناعه بالضرورة وأراد الرجل أن يبين أنه غير ممتنع بالضرورة ولا بالنظر، بل هو ممكن في الذهن فلا بد أن يبين أن ما يعلم امتناعه بالضرورة أو النظر ليس هو الذي لا يعلم امتناعه في الذهن ليبقى الإمكان الذهني. مع أن الإمكان الذهني لا يستلزم الإمكان الخارجي، كما تقدم.