وأما "فتنة قصب السلف" فإن الكوفة دارها التي خرجتها، ثم طار في الآفاق شررها، واستطار فيها ضررها، وإنما هاجتها أحلام فيها ضيق، وأشربتها قلوب فيها حمق، ولها عروق خفية، السلامة للقلوب في ترك إظهار بعضها، وأربابها وبين علي بن أبي طالب أبي بكر [رضي الله [ ص: 220 ] عنهم ]، ثم أخذت تفضله عليهما، وعمر ثم جعلت توليه عليهما، وتخاصمهما له، وتظلمهما وتوليه حقهما بالقياس العقلي، ترفعه ببنت الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبب البتول -رضي الله عنها-، ثم جاءت تعدله بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، وتشركه في وحي السماء، ثم خطأت أحمق خلق الله تعالى، عرضت تساوي بين جبريل في نزوله فحلت الأمة من النبوة، وأحوجتها إلى -رضي الله عنه- ثم ادعت له الإلهية، ثم ادعتها [ ص: 221 ] لولده. قال الإمام علي لو كانوا دواب لكانوا حمرا، أو كانوا طيرا لكانوا رخما. فاستظهرت بهؤلاء الغالية أرباب [ ص: 222 ] القلوب المريضة فتظاهرت على قصب السلف الصالح الذين هم الناقلون، وفيهم قانون الدين، وديوان الملة، فترى أمثلهم طريقة وأصوبهم وثيقة من يتستر بفضائل الشعبي: -رضي الله عنه- ويربأ به عن منزله الذي أنزله الله تعالى من الشرف به ). ثم روى من طريق علي العباس بن عقدة، حدثني قال: قرأت على [ ص: 223 ] أبي، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ابن الحباب، عن عبد الأعلى هو ابن عامر الثعلبي، عن عن سعيد بن جبير -رضي الله عنهما- قال: لا تصلح الصلاة إلا على النبي [ ص: 224 ] صلى الله عليه وسلم. فلما................ [ ص: 225 ] تعادنت أولئك الغواة [ ص: 226 ] بتلك الضلالة وتعاونت عليها قيض الله لها إماما خلصه حساما، وهو ابن عباس أبو محمد عبد الله بن إدريس الأودي فصرح بقدحهم، ودفع في نحرهم، ونادى على خباياهم، وأورى عن خفاياهم، فلم تكابد الأمة من شؤم شيء ما كابدت من شؤم تلك الفتنة، لم يكد قلب مسلم يسلم من شوب منها إلا من رحم ربك فعصم.