قيل: أحدهما: ما يكون بسبب المستمع لقصور منه أو تقصير، فهذا لا يختص بنوع من الكلام، بل قد يعرض في جميع أنواعه، لكن ما يكون فيه من التشابه يكون هذا فيه أقوى، فإنه يبقى التشابه من الطرفين، وصاحب هذا المقام هو مأمور أن يعمل بما تبين له معناه، ويؤمن بما اشتبه عليه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه المتشابه نوعان، أحمد رحمهما الله تعالى، وغيرهما من حديث وابن ماجه عن [ ص: 495 ] أبيه عن جده عمرو بن شعيب، رضي الله عنهما قال: عبد الله بن عمرو بن العاص لقد جلست أنا وأخي مجلسا ما أحب أن لي به حمر النعم، أقبلت أنا وأخي، وإذا مشيخة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس عند باب من أبوابه، فكرهنا أن نفرق بينهم، فجلسنا حجرة إذا ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول: «بهذا أمرتم؟ بهذا هلكت الأمم من قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض، إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا، وإنما نزل يصدق بعضه بعضا، فما [ ص: 496 ] عرفتم منه فاعملوا به، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه».
وقال رضي الله عنه: "اتبعوا ما تبين لكم من الكتاب، وما لا فدعوه". عمر بن الخطاب
وأن معنى الأخرى يوافقها، لا يخالفها، وإن لم يفهم معنى الآيتين آمن بهما، ووكل علمهما إلى الله تعالى. وإذا كان القرآن نزل يصدق بعضه بعضا، فمن الممتنع أن يكون فيه تناقض واختلاف تضاد، فمن فهم آية فآمن بها، وظن أن الأخرى تناقضها، فليعلم أنه مبطل في ذلك،