يقال: رجحان أحدهما في أصل الوضع إنما يكون إذا كان مجردا عن القرينة، كما يترجح عند الإطلاق لفظ الأسد والحمار والبحر والسيف. أن المراد: هو السبع والبهيمة والماء والحديد. وأما إذا قيل عن خالد: كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك. [ ص: 416 ] "إنه سيف سله الله عز وجل على المشركين"
وكما قال كعب بن زهير في قصيدته المشهورة: بانت سعاد التي أنشدها للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وقال فيها:
إن الرسول لسيف يستضاء به مهند من سيوف الله مسلول
[ ص: 417 ] وقيل في أبي قتادة: "إنه أسد من أسد الله" كما قال فيه أبو بكر: "لا تعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله يعطيك سلبه" [ ص: 418 ]وقال في الفرس إنه بحر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن فرس أبي طلحة: فهنا لم يفهم أحد أن المراد الماء، ولا الحديد، ولا السبع، وإذا كان كذلك: فكلام [ ص: 419 ] الحكيم من الناس الذي أراد به الإفهام لا بد إذا أراد غير معناه عند الإطلاق من أن يأتي بقرينة تبين بعض المراد، أو قرينة تبين المراد، ويصير اللفظ بها ظاهرا، بل نصا لا يحتمل المعنى الآخر، فلا يكون المعنى الآخر الذي لم يرده المتكلم راجحا، بل ولا يحتمله اللفظ. "إن وجدناه لبحرا"
وهذا هو الموجود في عامة كلام العلماء، فكيف بكلام رب العالمين، فالمعنى الذي أراده هو الذي جعل اللفظ دالا عليه، والمعنى الذي لم يرده لا يدل عليه كلامه، بل قد يكون فيه ما ينفيه، وهذا كلفظ البشارة، فإنه عند الإطلاق يراد به الإخبار بما يسر، كقوله تعالى: مبشرين ومنذرين [البقرة: 213]. ونحو ذلك، ومع التقييد يراد به الإخبار بما يسوء، فيقال: فبشرهم بعذاب أليم [آل عمران: 21].
وكذلك الإيمان إذا أطلق فهو الإيمان بالله، وإذا قيد بغير ذلك كقوله: ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت [ ص: 420 ] [النساء: 51]. لم يحتمل هذا اللفظ الإيمان بالله، ومثل هذا كثير.