وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. فإن التأويل الذي لا يعلمه إلا الله ليس هو أن لا يفهم أحد شيئا من اللفظ، بل يفهمونه، وإن كان تأويله لا يعلمه إلا الله. وإذا عرف معنى لفظ التأويل، ظهر فساد احتجاج هؤلاء بقوله تعالى:
وعامة السلف الذين كانوا يفصلون الآية ويقفون عند قوله تعالى: إلا الله فسروا التأويل بغير ما يفهم من لفظ [ ص: 315 ] الآية، ومنهم غير واحد يقول إنهم يعلمون تأويله، بمعنى آخر كما تقدم عن مجاهد والضحاك.
وقال السدي: وما يعلم تأويله عواقبه، يجيء الناسخ منه فينسخ المنسوخ.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: وما يعلم تأويله قال: تحقيقه، وعن عباد بن منصور، سألت الحسن عن قوله [ ص: 316 ] تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. فقال: تأويله القضاء به يوم القيامة.
وقد تقدمت رواية الوالبي عن في قوله تعالى: ابن عباس وما يعلم تأويله إلا الله قال: تأويله: يوم القيامة، لا يعلمه إلا الله. [ ص: 317 ]
وعن محمد بن إسحاق: منه آيات محكمات فيهن حجة الرب تعالى، وعصمة العباد، ودفع الخصومة والباطل، ليس بهن تصريف ولا تحريف عما وضعن عليه، وأخر متشابهات قال: لم يفصل فيهن القول كما فصله في المحكمات، يتشابه في عقول الرجال، ويتخالها التأويل، فابتلاء الله تعالى فيها العباد كابتلائهم في الحلال والحرام.
وفي رواية عنه قال: متشابهات في الصدق، لهن تصريف وتحريف وتأويل، ابتلى الله فيهن العباد كما ابتلاهم في الحلال والحرام، ألا يصرفن إلى الباطل، ولا يحرفن عن الحق، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة [آل عمران: 7]. أي: ما تحرف منه وتصرف، ابتغاء الفتنة إلى اللبس، وابتغاء تأويله، وما تأولوا وزينوا من الضلالة، ليجيء لهم الذي في أيديهم من البدعة ليكون لهم به حجة على من [ ص: 318 ] خالفهم للتصريف والتحريف الذي ابتلوا به، بمثل الأهواء وزيغ القلوب والتنكيب عن الحق الذي أحدثوا من البدعة وما يعلم تأويله إلا الله أي: ما يعلم ما صرفوا وتأولوا إلا الله الذي يعلم سرائر العباد وأعمالهم والراسخون في العلم يقولون آمنا به قال: لم يكن معرفتهم إياه أن يفقهوه على الشك، ولكنهم خلصت الأعمال منهم، ونفذ علمهم أن عرفوا الله بعدله، لم يكن ليختلف شيء مما جاء به، فردوا المتشابه على المحكم، وقالوا: كل من عند ربنا فكيف يكون فيه اختلاف، وإنما جاء يصدق بعضه بعضا.
وفي الرواية الأخرى قال: ثم ردوا تأويل المتشابه [ ص: 319 ] على ما عرفوا من تأويل المحكمة التي لا تأويل لأحد فيها إلا تأويلا واحدا، فاتسق بقولهم الكتاب، وصدق بعضه بعضا، فنفذت به الحجة، وظهر به العذر، وزاح به الباطل، ودفع به الكفر، يقول الله تعالى: وما يذكر أي: في مثل هذا إلا أولو الألباب .
فهو في رواية ابن إدريس عنه لما قال: وما يعلم تأويله إلا الله [ ص: 320 ] فسر التأويل: مما تأولوه من الباطل فيه.
وفي رواية سلمة عنه: جعل الراسخين في العلم يعلمون من تأويل المتشابه، وأنهم ردوا تأويل المتشابه على ما عرفوا من تأويل المحكم الذي لا تأويل لأحد فيه إلا تأويلا واحدا.
فابن إسحاق ذكر مثل قول ابن عباس والضحاك، وغيرهم الذين يقولون بالقراءتين، يقولون: له تأويل لا يعلمه إلا الله، وتأويل يعلمه الراسخون، وكذلك عامة أهل العربية الذين قالوا وما يعلم تأويله إلا الله، كالفراء وأبي عبيد وثعلب هم يتكلمون في متشابه القرآن كله وفي تفسير معناه، ليس في القرآن آية قالوا لا يعلم أحد تفسيرها ومعناها، فيجب أن يكون التأويل الذي اختص الله به عندهم غير ما تكلموا فيه من تفسير الآيات المتشابهة. وابن [ ص: 321 ] الأنباري،
وقوله تعالى: وما يعلم تأويله إلا الله [آل عمران: 7]. قد يقال فيه: إن المنفي هو عموم السلب لا سلب العموم، أي: ما يعلم جميع التأويل إلا الله، وأما بعضه فيعلمه الراسخون كما قال وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله، من ادعى علمه فهو كاذب. ابن عباس:
فقول الجمهور هو القراءة الصحيحة، وهو أنه لا يعلم غير الله جميع التأويل، كقوله تعالى: وما يعلم جنود ربك إلا هو [المدثر: 31]. أي: مجموعهم، وإلا فكثير من الناس يعلم بعض جنود ربنا. [ ص: 322 ]