قال أمية بن أبي الصلت:
مجدوا الله فهو للمجد أهل ربنا في السماء أمسى كبيرا بالبناء الأعلى الذي سبق النا
س وسوى فوق السماء سريرا شرجعا ما يناله بصر العيـ
ـن يرى دونه الملائك صورا
وقال بعضهم: استوى بمعنى استولى، واستدل بقول الشاعر:
قد استوى بشر على العراق من غير سيف أو دم مهراق
وقائل هذا القول: "إن إجماع السلف منعقد على أن لا يزيدوا على قراءة الآية".
إن أراد به أنهم: لا ينفون ما دلت عليه، وما ذكر فيها بتأويلات النفاة مثل قولهم: العرش: الملك، أو استوى بمعنى: استولى، ونحو ذلك، فهم ينكرونه، فهذا صحيح.
وإن أراد أن السلف لم يكونوا يعلمون معنى الاستواء ولا فسروه، فهذا باطل، خلاف المنقول المتواتر عنهم، مثل قول ربيعة ومالك لما الرحمن على العرش استوى [ ص: 302 ] [طه 5]. كيف استوى؟ فقال قيل لهم "الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيف بدعة". مالك:
وذكر في صحيحه في كتاب التوحيد: لما ذكر الاستواء قال البخاري أبو العالية: "استوى إلى السماء: ارتفع فسوى خلقهن" وقال استوى على العرش: علا على العرش. مجاهد:
وهذا مما رواه أهل التفسير، فروى وغيره بالإسناد المعروف عن ابن أبي حاتم في قوله تعالى: أبي العالية ثم استوى إلى السماء [البقرة: 29]. قال: ارتفع. قال: [ ص: 303 ] وروي عن الحسن مثله. وفي قوله تعالى: والربيع بن أنس فسواهن [البقرة: 29]. قال: سوى خلقهن، وأعاد ذلك في قوله تعالى: ثم استوى على العرش [الأعراف: 54].
وروي عن أنه قال: "استوى على العرش في اليوم السابع" قال: وروي عن قتادة مثل ذلك، قلت: وكذلك رواه محمد بن إسحاق في مسنده في فضل يوم [ ص: 304 ] الجمعة أنه اليوم الذي استوى الله فيه على العرش، وقال البغوي في قوله تعالى: الشافعي ثم استوى إلى السماء [البقرة: 29]. قال وأكثر مفسري السلف: ثم ارتفع إلى السماء. ابن عباس
وقال البغوي أيضا في قوله تعالى: ثم استوى على العرش [الأعراف: 54]. قال الكلبي ومقاتل: استقر.
وقال أبو عبيدة: صعد. [ ص: 305 ]
وذكر غيره عن مثل قول الخليل بن أحمد أبي عبيدة أنه بمعنى صعد وارتفع، وذكر شاهده من كلام العرب، وذكروا عن أنه قال: استوى: استقر، وكذلك قال ابن عباس ابن قتيبة وغيره.
وقد زعم بعضهم أن معنى قولهم: الاستواء معلوم، أن مجيء لفظ الاستواء في القرآن معلوم، وهذا باطل، فإن كونه في القرآن أمر ظاهر يعرفه جميع الناس، لا يسأل عنه، ولكن السائل لما قال: كيف استوى؟ سأل عن الكيفية، فبينوا له أن الكيفية لا نعلمها نحن، ولكن نعلم معنى الاستواء، فدل على ثبوت كيفية في نفس الأمر غير معلومة لنا.
وكذلك قال ابن الماجشون وغيرهما، ولو قدر أن الكيفية منتفية فلا تنفى الكيفية عن معدوم، فلو لم يكن أن ثم استواء ثابت في نفس الأمر لم يجز نفي الكيفية عنه، ولو كان المراد الاستيلاء ونحوه لم يحتج أن يقال في ذلك: والكيف مجهول أو معلوم، وهذا مبسوط في غير هذا الموضع. وأحمد بن حنبل