الوجه الحادي عشر: وهو أن يقول: هذا الذي عارضتموني به في مسألة الزمان، أكثر ما يوجب علي أن أقول بالجهة، كما ذكرناه فيما مضى، عن والقول بالجهة هو قول أئمة الفلاسفة، القاضي أبي الوليد بن رشد الفيلسوف، الذي هو من أتبع الناس لأقوال أرسطو وذويه، وأنه قال: «القول في الجهة، وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة من أول الأمر يثبتونها لله سبحانه وتعالى حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية، كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله» قال: مثل قوله: «وظواهر الشرع كلها تقتضي إثبات الجهة الرحمن على العرش استوى [طه: 5] ومثل قوله: [ ص: 404 ] وسع كرسيه السماوات والأرض [البقرة: 255] ومثل قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية [الحاقة: 17] ومثل قوله: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة [السجدة: 5] ومثل قوله: تعرج الملائكة والروح إليه [المعارج: 4] ومثل قوله: أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ( [الملك: 16] إلى غير ذلك من الآيات، التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولا، وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات عاد الشرع كله متشابها، لأن وأن منه تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، حتى قرب من سدرة المنتهى» قال: الشرائع كلها مبنية على أن الله تعالى في السماء، والشبهة التي قادت نفاة الجهة إلى نفيها، هو أنهم اعتقدوا أن إثبات الجهة [ ص: 405 ] يوجب إثبات المكان، وإثبات المكان يوجب إثبات الجسمية». «وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع على ذلك،
وقد تقدم ذكرنا لبقية كلامه بألفاظه، وأنه قرر أن ما فوق العالم -وهو الجهة- ليس مكانا على اصطلاح الفلاسفة، إذ المكان عند «أرسطو» هو السطح الباطن من الجسم الحاوي الملاقي للسطح الظاهر من الجسم المحوي، إلى أن قال: «وقد قيل في الآراء السالفة القديمة والشرائع الغابرة: إن ذلك الموضع هو مسكن الروحانيين، يريدون الله والملائكة» إلى أن قال: «فقد ظهر من هذا أن وأنه الذي جاء به الشرع، وابتنى عليه، فإن إبطال هذه القاعدة إبطال للشرائع» فقد حكى اتفاق الحكماء على إثبات الجهة. قال: «وجميع الحكماء قد اتفقوا على أن الله تعالى في السماء... وأن ما قيل في الآراء السالفة والشرائع الغابرة: إن ذلك الموضع -يعني ما فوق العالم- هو مسكن [ ص: 406 ] الروحانيين، يريدون الله تعالى والملائكة» وتصريحهم في هذا بلفظ المسكن يشبه ما ذكره إثبات الجهة واجب بالشرع والعقل، «أن المسلمين جميعا إذا نابتهم نائبة يقولون: «يا ساكن العرش». الأشعري
فقد ظهر بهذا أنما ذكره من التناقض على المجسمة والفلاسفة، لا يرد على واحدة منهما، بل يمكنهم نفي هذا التناقض.