قال في كتاب إبطال التأويل في هذا الخبر: القاضي أبو يعلى «من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي» وقد أومأ إليه اعلم بأن الله يوصف بأن له نفسا، فيما خرجه من الرد على أحمد الجهمية فقال: إذا أردت أن تعلم أن الجهمي كاذب على الله تعالى حين زعم أنه في كل مكان ولا يكون في مكان دون مكان، فقل له: أليس كان الله ولا شيء؟ فيقول: [ ص: 454 ] نعم، فقل له: حين خلق الشيء أخلقه في نفسه أو خارجا من نفسه، فإنه يصير إلى ثلاثة أقاويل لا بد له من واحد منها: إن زعم أن الله خلق الخلق في نفسه فقد كفر حين زعم أنه خلق الجن والشياطين في نفسه، وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم دخل فيهم كان هذا أيضا كفرا حين زعم أنه دخل في كل مكان وحش قذر رديء، وإن قال: خلقهم خارجا عن نفسه ثم لم يدخل فيهم رجع عن قوله كله أجمع، وهو قول أهل السنة.
قال: «وهذا من كلام يدل على إثبات النفس؛ لأنه جعل ذلك حجة عليهم، ولو لم يعتقد ذلك لم يحتج به، وقد أخبر الله تعالى بذلك في آي من كتابه، مثل قوله تعالى: أحمد كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام: 54] وقوله: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك [المائدة: 116] وقوله: واصطنعتك لنفسي [طه: 41] ولأنه ليس في [ ص: 455 ] إثبات النفس ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت نفسا منفوسة مجسمة مركبة ذات روح، ولا نثبت نفسا بمعنى الدم على ما تقوله العرب: له نفس سائلة وليست له نفس سائلة، ويريدون بذلك الدم؛ لأنه سبحانه وتعالى يتعالى عن ذلك، بل نثبت نفسا هي صفة زائدة على الذات كما أثبتنا له حياة وبقاء فقلنا: هو حي بحياة وباق ببقاء وإن لم تكن حياته وبقاؤه عرضين كحياتنا وبقائنا، كذلك في النفس».