قلت: والكلام على هذا من وجوه:
: أحدها: وذلك أن القوم متفقون على إنكار التشبيه، وذم المشبهة الذين يشبهون الله تعالى بخلقه، ويجعلون الخالق من جنس شيء من المخلوقات، وهذا منتف عندهم، كما أقر به هذا الرجل. أن تسمية هؤلاء «أهل التشبيه» مما ينازعونه فيه;
ومعلوم أن كل من نفى شيئا من الصفات، سمى المثبت لها مشبها. فمن نفى الأسماء من الملاحدة الفلاسفة والقرامطة وغيرهم، يجعل من سمى الله تعالى عليما وقديرا وحيا ونحو [ ص: 379 ] ذلك مشبها; وكذلك من نفى الأحكام يسمي من يقول: إن الله يعلم ويقدر ويسمع ويبصر مشبها. ومن نفى الصفات من الجهمية والمعتزلة وغيرهم يسمون من يقول: إن لله علما وقدرة، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله تعالى يرى في الآخرة - مشبها، وهم من أكثر الطوائف لهجا بهذا الاسم وذم أصحابه; ولهذا كان السلف إذا رأوا الرجل يكثر من ذم المشبهة، عرفوا أنه جهمي معطل; لعلمهم بأن هذا الاسم قد أدخلت الجهمية فيه، كل من آمن بأسماء الله تعالى وصفاته، ومن نفى علو الله على عرشه، يسمي المثبت لذلك مشبها، ومن نفى الصفات الخبرية والعينية يجعل من أثبتها مشبها. وإذا كان هذا اللفظ فيه عموم وخصوص بحسب اعتقاد المتكلمين به واصطلاحهم، وقد علم أن الرازي وأشباهه تسميهم المعتزلة وغيرهم مشبهة، فإن كان ينفي عن نفسه هذا الاسم بما يقوله من التنزيه، فكذلك حال غيره سواء; مع أن هذا الاسم ليس له ذم بلفظه في الكتاب والسنة. وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن عيسى [ ص: 380 ] الماراني مصنفا سماه: «تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة» ذكر فيه من كلام السلف والأئمة في هذا الباب، كلاما كثيرا لا يحضرني الساعة، قال في كتاب «السنة»: «حكى أبو الشيخ الأصبهاني إسماعيل بن زرارة قال: سمعت يقول: «المعطلة النافية الذين ينكرون صفات الله، التي وصف بها نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، ويكذبون بالأخبار الصحيحة، التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصفات، ويتأولونها بآرائهم المنكوسة، على موافقة ما اعتقدوا من الضلالة، وينسبون رواتها إلى التشبيه، فمن أبا زرعة [ ص: 381 ] الرازي ويستدل عليهم بنسبتهم إياهم إلى التشبيه أنهم معطلة نافية، كذلك كان أهل العلم يقولون، منهم نسب الواصفين ربهم تبارك وتعالى، بما وصف به نفسه في كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، من غير تمثيل ولا تشبيه [إلى التشبيه] فهو معطل ناف، عبد الله بن المبارك وذكر أيضا أبو القاسم التيمي في [ ص: 382 ] كتابه «الحجة في بيان المحجة». ووكيع بن الجراح»
وقال شيخ الإسلام أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني، في اعتقاده المشهور: وأن العلم ما يلقيه الشيطان إليهم من نتائج عقولهم الفاسدة، ووساوس صدورهم المظلمة، وهواجس قلوبهم الخالية عن الخير العاطلة، وحججهم بل شبههم الداحضة الباطلة، «وعلامة أهل البدع شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي صلى الله عليه وسلم، واحتقارهم لهم، وتسميتهم إياهم حشوية، وجهلة، وظاهرية، ومشبهة، اعتقادا منهم في أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنها بمعزل من العلم، أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم [محمد: 23] ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء [الحج: 18] ».
فلو قال الرازي بدل المشبهة: «مثبتة الصفات الخبرية والعينية الذاتية» أو «مثبتة العلو» أو «جهة العلو» لكان في ذلك [ ص: 383 ] من العدل ما ليس في هذا الاسم.
وأيضا فإنه قد صرح في أجل كتبه وهو «نهاية العقول» أن المجسمة القائلين بالجهة وغيرها ليسوا مشبهة، وكذلك رد على من كفرهم لكونهم مشبهة. فتبين وهذا قول أئمته في المجسمة، بل هو أصح قوليهم في غلاة المجسمة. أن التشبيه إن كان المراد به إثبات مثل لله عز وجل، فهم لا يقولون بذلك. وإن كان المراد إثبات وصف مشترك فهذا لازم لجميع الناس.