وأما تأويل الشخص إذا ثبت إطلاقه بالذات المعينة [ ص: 398 ] والحقيقة المخصوصة فهذا باطل في لغة العرب، التي خاطب بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته، إنما يوجد مثل هذا في عرف المنطقيين ونحوهم إذا قالوا: هذا ينحصر نوعه في شخصه، أو لا ينحصر نوعه في شخصه، وقالوا: الجنس ينقسم إلى أنواعه، والنوع ينقسم إلى أشخاصه، ونحو ذلك مما هو لفظ الشخص فيه بإزاء لفظ الواحد بالعين.
وأصل ذلك -والله أعلم- أن التقسيم لما كان واردا على ما ظهر وهو الإنسان، وكل واحد من الأناسي يسمى شخصا، نقلوا هذا بالعرف الخاص إلى ما هو [ ص: 399 ] من مسماه اللغوي، فقالوا لكل واحد من أفراد أي نوع كان: شخصا، حتى يسمون السواد المعين والبياض المعين شخصا من أشخاص نوعه، ويقولون: واجب الوجود انحصر نوعه في شخصه، كما يقولون مثل ذلك في الشمس، وكل ما ليس له مثل، وهذا مثل نقلهم ونقل المتكلمين للفظ الجوهر إلى أعم من مسماه اللغوي، وكذلك لفظ الجسم وغيره.
لكن ومعرفة المراد به؛ فإن اللغة الواحدة تشتمل على لغة أصلية، وعلى أنواع من الاصطلاحات الطارئة الخاصة والعامة، فمن اعتاد المخاطبة ببعض تلك الاصطلاحات يعتقد أن ذلك الاصطلاح هو اصطلاح أهل اللغة نفسها، فيحمل عليه كلام أهلها، فيقع في هذا غلط عظيم، وقد قيل: أكثر اختلاف العقلاء من جهة اشتراك الأسماء، فعلينا أن نعرف لغة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخاطب بها خصوصا فإنها هي الطريق إلى معرفة كلامه ومعناه، حتى أن بين لغة معرفة اللغات والعرف الذي يخاطب بها كل مخاطب من أهم ما ينبغي [ ص: 400 ] الاعتناء به في فهم كلام المتكلمين وتفسيره وتأويله، قريش وغيرهم فروقا من لم يعرفها فقد يغلط في ذلك.
وإذا كان كذلك فلا يعرف في لغة النبي صلى الله عليه وسلم بل ولا غيرها من لغات العرب أنهم يسمون كل ذات حقيقة معينة شخصا، كما هو العرف الخاص لبعض الناس، كما تقدم، بل هذا معلوم الفساد بالضرورة من لغتهم؛ إذ هذا يقتضي أن يسموا كل معين بحكم شخصا، حتى يسموا كل عرض معين من الطعوم والألوان والأراييح شخصا، وهذا باطل قطعا.
[ ص: 401 ] وأما توجيه ذلك بأن الجسم الذي له شخص وحجمية يلزم أن يكون واحدا.