فلما كان
nindex.php?page=treesubj&link=28717لفظ التشبيه يقال على ما يجب انتفاؤه وعلى ما يجب إثباته لم يرد الكتاب والسنة به مطلقا، لا في نفي ولا إثبات، ولكن جاءت النصوص في النفي بلفظ: المثل والكفو والند والسمي، وجاء لفظ الشبه في الإثبات مقيدا في كلام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم، كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14274عثمان بن سعيد الدارمي، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا
أبو هلال الراسبي، أن
عبيد الله بن رواحة، قال
[ ص: 486 ] للحسن: هل تصف ربك؟ قال: نعم، بغير مثال.
قال: وحدثنا
سلام بن سليمان، قال: حدثنا
[ ص: 487 ] nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة، عن
أبي جمرة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال: "ليس لله مثل".
وقد بسطنا الكلام على هذا في (الأجوبة المصرية) وبينا أن
nindex.php?page=treesubj&link=33677الله ليس كمثله شيء بوجه من الوجوه، فيجب أن ينفى عنه المثل مطلقا ومقيدا، وكذلك الند، والكفو، والشريك، ونحو ذلك من الأسماء التي جاء القرآن بنفيها، وذكرنا من أدلة ذلك: أن الله تعالى لما نفى المثل عن نفسه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء [ ص: 488 ] [الشورى: 11]، والسمي بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هل تعلم له سميا [مريم: 65] والند بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فلا تجعلوا لله أندادا [البقرة: 22] والكفو بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4ولم يكن له كفوا أحد [الإخلاص: 4] والشريك والعديل والمساوي بقوله سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18عما يشركون [يونس: 18]
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثم الذين كفروا بربهم يعدلون [الأنعام: 1]
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97إن كنا لفي ضلال مبين nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إذ نسويكم برب العالمين [الشعراء: 97-98].
فلا يخلو إما أن يكون النفي من ذلك [مختصا بالمماثل له] من كل وجه، وهو المكافئ له من كل وجه فقط والمساوي والمعادل له والمكافئ له من كل وجه، أو يكون النفي عاما في المماثل ولو من بعض الوجوه، والمكافئ ولو من بعض الوجوه، ولا يجوز أن يكون النفي مختصا بالقسم الأول، لأن هذا لم يعتقده أحد من البشر، وهو سبحانه ذم ونهى عما هو موجود في البشر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=682587قال له رجل: ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا؟ بل ما شاء الله [ ص: 489 ] وحده".
فثبت أن هذه الأسماء المنفية تعم المثل والكفو والند والشريك والعديل ولو من بعض الوجوه، (وهذا هو الحق وذلك لأن المخلوقات وإن كان فيها شبه من بعض الوجوه) في مثل معنى الموجود والحي والعليم والقدير، فليس مماثلة بوجه من الوجوه، ولا مكافأة له، بل [هو] سبحانه له المثل الأعلى في كل ما يثبت له ولغيره، ولما ينفى عنه وعن غيره، لا يماثله غيره في إثبات شيء، ولا في نفيه، بل المثبت له من الصفات الوجودية المختصة بالله التي تعجز عقول البشر عن معرفتها، وألسنتهم عن صفتها، ما لا يعلمه إلا الله، مما لا نسبة إلى
[ ص: 490 ] ما علموه من الأمر المشتبه المشترك إليه.
والمنفي عنه لا بد أن يستلزم وصفا ثبوتيا، كما قررنا هذا في غير هذا الموضع، ومنافاته لذلك المنفي وبعده عنه، ومنافاة صفاته الوجودية له فيه من الاختصاص الذي لا يشركه فيه أحد ما لا يعلمه أيضا إلا هو، بخلاف لفظ [التشبيه]، فإنه يقال على ما يشبه غيره، ولو من [بعض] الوجوه البعيدة، و[هذا] مما يجب القول به شرعا وعقلا بالاتفاق.
فَلَمَّا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=28717لَفْظُ التَّشْبِيهِ يُقَالُ عَلَى مَا يَجِبُ انْتِفَاؤُهُ وَعَلَى مَا يَجِبُ إِثْبَاتُهُ لَمْ يَرِدِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ بِهِ مُطْلَقًا، لَا فِي نَفْيٍ وَلَا إِثْبَاتٍ، وَلَكِنْ جَاءَتِ النُّصُوصُ فِي النَّفْيِ بِلَفْظِ: الْمِثْلِ وَالْكُفُوِ وَالنِّدِّ وَالسَّمِيِّ، وَجَاءَ لَفْظُ الشَّبَهِ فِي الْإِثْبَاتِ مُقَيَّدًا فِي كَلَامِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَابِعِيهِمْ، كَمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14274عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17173مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ، أَنَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، قَالَ
[ ص: 486 ] لِلْحَسَنِ: هَلْ تَصِفُ رَبَّكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، بِغَيْرِ مِثَالٍ.
قَالَ: وَحَدَّثَنَا
سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا
[ ص: 487 ] nindex.php?page=showalam&ids=16102شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "لَيْسَ لِلَّهِ مِثْلٌ".
وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ عَلَى هَذَا فِي (الْأَجْوِبَةِ الْمِصْرِيَّةِ) وَبَيَّنَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33677اللَّهَ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، فَيَجِبُ أَنْ يُنْفَى عَنْهُ الْمِثْلُ مُطْلَقًا وَمُقَيَّدًا، وَكَذَلِكَ النِّدُّ، وَالْكُفُوُ، وَالشَّرِيكُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي جَاءَ الْقُرْآنُ بِنَفْيِهَا، وَذَكَرْنَا مِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَفَى الْمِثْلَ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [ ص: 488 ] [الشُّورَى: 11]، وَالسَّمِيَّ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=65هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مَرْيَمَ: 65] وَالنِّدَّ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [الْبَقَرَةِ: 22] وَالْكُفُوَ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=4وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الْإِخْلَاصِ: 4] وَالشَّرِيكَ وَالْعَدِيلَ وَالْمُسَاوِي بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=18عَمَّا يُشْرِكُونَ [يُونُسَ: 18]
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=1ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الْأَنْعَامِ: 1]
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=97إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=98إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشُّعَرَاءِ: 97-98].
فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّفْيُ مِنْ ذَلِكَ [مُخْتَصًّا بِالْمُمَاثِلِ لَهُ] مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ الْمُكَافِئُ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَقَطْ وَالْمُسَاوِي وَالْمُعَادِلُ لَهُ وَالْمُكَافِئُ لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، أَوْ يَكُونَ النَّفْيُ عَامًّا فِي الْمُمَاثِلِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَالْمُكَافِئِ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، وَلَا يَجُوزُ أَنَّ يَكُونَ النَّفْيُ مُخْتَصًّا بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَعْتَقِدْهُ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ ذَمَّ وَنَهَى عَمَّا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْبَشَرِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=682587قَالَ لَهُ رَجُلٌ: مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتَ، قَالَ: "أَجَعَلْتَنِي لِلَّهِ نِدًّا؟ بَلْ مَا شَاءَ اللَّهُ [ ص: 489 ] وَحَدَهُ".
فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْمَنْفِيَّةَ تَعُمُّ الْمِثْلَ وَالْكُفُوَ وَالنِّدَّ وَالشَّرِيكَ وَالْعَدِيلَ وَلَوْ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، (وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَخْلُوقَاتِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَبَهٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ) فِي مِثْلِ مَعْنَى الْمَوْجُودِ وَالْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، فَلَيْسَ مُمَاثَلَةً بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَلَا مُكَافَأَةً لَهُ، بَلْ [هُوَ] سُبْحَانَهُ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ، وَلِمَا يُنْفَى عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ، لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ فِي إِثْبَاتِ شَيْءٍ، وَلَا فِي نَفْيِهِ، بَلِ الْمُثْبَتَ لَهُ مِنَ الصِّفَاتِ الْوُجُودِيَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِاللَّهِ الَّتِي تَعْجِزُ عُقُولُ الْبَشَرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا، وَأَلْسِنَتُهُمْ عَنْ صِفَتِهَا، مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ، مِمَّا لَا نِسْبَةَ إِلَى
[ ص: 490 ] مَا عَلِمُوهُ مِنَ الْأَمْرِّ الْمُشْتَبَهِ الْمُشْتَرَكِ إِلَيْهِ.
وَالْمَنْفِيُّ عَنْهُ لَا بُدَّ أَنْ يَسْتَلْزِمَ وَصْفًا ثُبُوتِيًّا، كَمَا قَرَّرْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَمُنَافَاتُهُ لِذَلِكَ الْمَنْفِيِّ وَبُعْدُهُ عَنْهُ، وَمُنَافَاةُ صِفَاتِهِ الْوُجُودِيَّةِ لَهُ فِيهِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي لَا يَشْرَكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مَا لَا يَعْلَمُهُ أَيْضًا إِلَّا هُوَ، بِخِلَافِ لَفْظِ [التَّشْبِيهِ]، فَإِنَّهُ يُقَالُ عَلَى مَا يُشْبِهُ غَيْرَهُ، وَلَوْ مِنْ [بَعْضِ] الْوُجُوهِ الْبَعِيدَةِ، وَ[هَذَا] مِمَّا يَجِبُ الْقَوْلُ بِهِ شَرْعًا وَعَقْلًا بِالِاتِّفَاقِ.