ثم الصفات التي تقوم بالإنسان التي هي لباس له بها يكون من المتقين، كما قال: ولباس التقوى ذلك خير [الأعراف: 26]، وليس قوله: ولباس التقوى مما يقال فيه أنه خلاف الظاهر، فيحتاج إلى تأويل، فإنه لم يجرد لفظ اللباس بل أضافه إلى التقوى، وهذا قد يعم اللباس الظاهر الذي يتقى به، والأخلاق والأعمال الصالحة، ولهذا تجعل هذه الصفات ظرفا للموصوف كما قد يجعل هو محلا لها، فيقال: فلان في علمه وحكمه [وصدقه] وعدله من خيار الناس.
ولباس الإنسان منه ما لا يصلح مشاركة غيره فيه كالإزار، والرداء، والسراويل، ونحو ذلك. بل مشاركة الإنسان فيه [ ص: 274 ] يوجب له من النقص والضرر ما يدعوه على أن يمنع طالب الشركة في ذلك، الرب الخالق الباري، الغني، الصمد، القيوم، دون العبد المخلوق الفقير المحتاج. والكبرياء والعظمة لا تصلح إلا لله رب العالمين،
والكبرياء فوق العظمة، كما جعل ذلك رداء، وهذا إزارا.
ولهذا كان المشروع في العبادات (الله أكبر) دون (الله أعظم). وذلك في الصلاة والأذان، والأعياد، والمناسك، وعلى الأشراف. حتى لو قال المؤذن (الله أعظم) أو (الله الكبير) أو (الله الأكبر) لكان قد بدل شريعة الإسلام عند جميع المسلمين، وكان ذلك مما ينكره المسلمون كلهم، وكذلك إمام الصلاة لو جعل يقول: (الله أعظم) بدل (الله أكبر) أو قال: (الله الكبير) أو قال: (الله الأكبر) لكان المسلمون يتبادرون إلى إنكار ذلك. ومن جوز من الفقهاء ذلك فهو قول يقوله، فلو ظهر ذلك إلى [ ص: 275 ] العمل وشاع بين المسلمين [كان] هو من أعظم الناس إنكارا لذلك، لكن بين تقدير العمل وبين وقوعه في الخارج فروق عظيمة.
وهما مع أنهما لا يصلحان إلا لله [فيمتنع] وجود ذاته بدونهما، بحيث لو قدر عدم ذلك للزم تقدير المحذور الممتنع من النقص والعيب في ذات الله [فكان] وجودهما من لوازم ذاته وكمالها التي لا ينبغي أن تعرى الذات وتجرد عنها، كما أن العبد لو تجرد عن اللباس لحصل له من النقص والعيب بحسب حاله ما يوجب أن يحصل له لباسا. وأيضا فاللباس يحجب الغير عن المشاهدة لبواطن اللابس، وملامستها.
وكبرياء الله وعظمته تمنع العباد من إدراك البصر له، ونحو ذلك. كما في الحديث الصحيح (الذي في صحيح عن مسلم) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أبي موسى "جنات الفردوس أربع: [ ص: 276 ] ثنتان من ذهب آنيتهما و [حليتهما] وما فيهما، وثنتان من فضة آنيتهما و [حليتهما] وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن".
فهذا الرداء الحاجب الذي قد يكشفه لهم فينظرون إليه سماه [ ص: 277 ] رداء الكبرياء. فكيف [ما يمنع] من إدراكه وإحاطته، أليس هو أحق بأن [يكون] من صفة الكبرياء؟!.