والمقصود هنا أن أبا حامد تكلم بمبلغ علمه، وما وصل إليه من كلام السلف والأئمة، ولهذا كلامه في ذلك في غاية التقصير، فإن كلام في [الأصول] مع أنه ملء الدنيا، وقد صنف في ذلك مصنفات، وما من مسألة منها إلا وقد ذكر فيها من الدلائل وكلام الله ورسوله والصحابة والتابعين ما شاء الله، وناظر الإمام أحمد بن حنبل الجهمية، وغيرهم من الذين حرفوا باب الإيمان بالله واليوم الآخر، ومع هذا فلم يكن [ ص: 120 ] عنده منه شيء.
وكذلك غير كلام (من كلام الصحابة والتابعين فيه أعظم مما في كلام أحمد بن حنبل ونحوه، أحمد بن حنبل لم يبتدع من عنده شيئا، ولكن كان أعلم أهل زمانه بما أنزل الله على رسوله، أحمد بن حنبل) وما كان عليه الصحابة والتابعون، وكان أتبع الناس لذلك، وابتلي بالمخالفين من أهل الأهواء، ومناظرتهم بالخطاب والكتاب، والرد عليهم، فأظهر من علوم السلف ما هو متبع فيه، كسائر الأئمة قبله، وما من قول يقوله إلا وقد قاله بلفظه أو بمعناه ما شاء الله من الأئمة قبله، وفي زمانه، وعليه من الدلائل ما شاء الله، فلهذا اتخذته الأمة إماما؛ لأن الله تعالى يقول: فإن وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون [السجدة: 24].
وكان -رحمه الله تعالى- ممن آتاه الله من الصبر واليقين بآيات الله ما استحق به الإمامة، حتى اشتهر ذلك عند الخاصة والعامة، فصار لفظ الإمامة مقرونا باسمه أكثر وأشهر [مما] يقترن باسم غيره. الإمام أحمد
[ ص: 121 ] قال في أثناء (كتاب السنة): "قال: أبو بكر الخلال قال: وقال أبو بكر المروذي ابن [ ص: 122 ] دريد في قوله تعالى: وإن جندنا لهم الغالبون [الصافات: 173]: هم أهل السنة.
وقال عبد الوهاب الوراق: إن لم يكونوا هذه العصابة [ ص: 123 ] فلا أدري أي عصابة هي؟!. قال فهي عصابة أبو بكر الخلال: -رضي الله عنه- الذابون عن السنة، [المحيون لما أماته] الناس من السنن عن أهل الخلاف، وإظهار ذلك، وإحياء أمر المجانبة لأهل الزيغ والجدال، والتمسك بما عليه إمام الناس في زمانه أحمد بن حنبل رضي الله عنه. أحمد بن حنبل
وأبو حامد كانت مواده في العلوم الإلهية: من المتكلمين، والفلاسفة والصوفية. الذين فهم كلامهم، وقد [ ص: 124 ] ذكر في (المنقذ من الضلال) أن هؤلاء هم والباطنية هم الخائضون في [هذا] الفن، وذكر بعض ما في طريق الباطنية [ ص: 125 ] من الضلال، وهو كثيرا يعيب طريقة المتكلمين والفلاسفة، ويذكر أنها لا توصل إلى علم ويقين. / 50 وكان يؤثر من طريق الصوفية مجملات لم يفصلها، ولم تتفصل له، بل يحيل على مكاشفات ومشاهدات لا وصل إليها، ولا رأى من وصل إليها.