nindex.php?page=treesubj&link=28732وذكر التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة كثير في الأحاديث. وقد قال تعالى في كتابه:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه [ ص: 54 ] [الإسراء: 57]. وابتغاء الوسيلة إلى ربهم أيهم أقرب هو: طلب التقرب إليه.
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة [المائدة: 35]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون [سبإ: 37]، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10والسابقون السابقون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أولئك المقربون nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12في جنات النعيم [الواقعة: 10-12]، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=88فأما إن كان من المقربين nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فروح وريحان وجنت نعيم [الواقعة: 88-89] وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=27ومزاجه من تسنيم nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28عينا يشرب بها المقربون [المطففين: 27-28].
فوصف خير الأصناف الثلاثة من عباده بأنهم المقربون.
[ ص: 55 ] وقال تعالى في موسى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا [مريم: 52]، وقال في داود
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=25وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب [ص: 25]، والزلفى هو: القرب.
وفي الأثر المحفوظ عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، عن
عبيد بن عمير قال: "يدنيه حتى يمس بعضه". رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن [ ص: 56 ] سلمة، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري، nindex.php?page=showalam&ids=16008وسفيان بن عيينة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابن أبي [ ص: 57 ] نجيح، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد.
وقال في أم المسيح:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين [آل عمران: 45].
وقال في الملائكة:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا [النساء: 172].
وهذا أمر مستقر في الفطر، حتى المشركين الذين يعبدون الأوثان أخبر الله عنهم بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى [الزمر: 3].
والله لم ينكر على المشركين طلب التقرب إلى الله تعالى، وإنما أنكر عليهم أنهم اتخذوا أولياء من دونه، يتقربون
[ ص: 58 ] بعبادتهم إليه، وهو تعالى لم يشرع ذلك، ولم يأمر به، بل إنما يتقرب إليه بعبادته وحده لا شريك له.
فأما
nindex.php?page=treesubj&link=28732قوله: "فأما القرب بالجهة فمعلوم بالضرورة أنه لا يحصل بسبب السجود".
فيقال له: المعلوم بالضرورة أن جسد الإنسان لا يرتفع في السجود إلى فوق، وليس قربه مجرد قرب جسده، كما أن تقارب بني آدم وتباعدهم ليس بمجرد قرب الجسد وبعده، بل كما قال قائلهم:
وإن كانت الأجساد منا تباعدت فإن المدى بين القلوب قريب
وذلك أن قلوب بني آدم وأرواحهم لها قرب وبعد، وحركة وصعود، وهبوط ومكانة، كما أن الجسد له كذلك، والناس يحس أحدهم بقرب قلب بعض الناس من قلبه وبعده منه.
فالساجد إذا سجد يتقرب قلبه وروحه إلى الله تعالى نفسه، وكذلك الأعمال الصالحة جميعها التي يتقرب بها إلى
[ ص: 59 ] الله تقرب بها روحه وقلبه إلى الله نفسه، فإذا كان في الدار الآخرة (قرب جسده –أيضا- مع قلبه، ورفع بعضهم فوق بعض درجات، وظهر في الدار الآخرة) ما كان باطنا في الدنيا.
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661659 "إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أموالكم إنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".
nindex.php?page=treesubj&link=28732وَذِكْرُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَثِيرٌ فِي الْأَحَادِيثِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي كَتَابِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=57أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ [ ص: 54 ] [الْإِسْرَاءِ: 57]. وَابْتِغَاءُ الْوَسِيلَةِ إِلَى رَبِّهِمْ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ هُوَ: طَلَبُ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ.
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=35يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [الْمَائِدَةِ: 35]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=37وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ [سَبَإٍ: 37]، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=10وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=11أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=12فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [الْوَاقِعَةِ: 10-12]، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=88فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=89فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ [الْوَاقِعَةِ: 88-89] وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=27وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=28عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ [الْمُطَفِّفِينَ: 27-28].
فَوَصَفَ خَيْرَ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ مِنْ عِبَادِهِ بِأَنَّهُمُ الْمُقَرَّبُونَ.
[ ص: 55 ] وَقَالَ تَعَالَى فِي مُوسَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=52وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا [مَرْيَمَ: 52]، وَقَالَ فِي دَاوُدَ
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=25وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص: 25]، وَالزُّلْفَى هُوَ: الْقُرْبُ.
وَفِي الْأَثَرِ الْمَحْفُوظِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: "يُدْنِيهِ حَتَّى يَمَسَّ بَعْضَهُ". رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15744حَمَّادُ بْنُ [ ص: 56 ] سَلَمَةَ، nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيُّ، nindex.php?page=showalam&ids=16008وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=16406ابْنِ أَبِي [ ص: 57 ] نَجِيحٍ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ.
وَقَالَ فِي أُمِّ الْمَسِيحِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=45يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمُ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ [آلِ عِمْرَانَ: 45].
وَقَالَ فِي الْمَلَائِكَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا [النِّسَاءِ: 172].
وَهَذَا أَمْرٌ مُسْتَقِرٌّ فِي الْفِطَرِ، حَتَّى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزُّمَرِ: 3].
وَاللَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ طَلَبَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ، يَتَقَرَّبُونَ
[ ص: 58 ] بِعِبَادَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَهُوَ تَعَالَى لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ، بَلْ إِنَّمَا يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ.
فَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28732قَوْلُهُ: "فَأَمَّا الْقُرْبُ بِالْجِهَةِ فَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِسَبَبِ السُّجُودِ".
فَيُقَالُ لَهُ: الْمَعْلُومُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ جَسَدَ الْإِنْسَانِ لَا يَرْتَفِعُ فِي السُّجُودِ إِلَى فَوْقَ، وَلَيْسَ قُرْبُهُ مُجَرَّدَ قُرْبِ جَسَدِهِ، كَمَا أَنَّ تَقَارُبَ بَنِي آدَمَ وَتَبَاعُدَهُمْ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ قُرْبِ الْجَسَدِ وَبُعْدِهِ، بَلْ كَمَا قَالَ قَائِلُهُمْ:
وَإِنْ كَانَتِ الْأَجْسَادُ مِنَّا تَبَاعَدَتْ فَإِنَّ الْمَدَى بَيْنَ الْقُلُوبِ قَرِيبُ
وَذَلِكَ أَنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ وَأَرْوَاحَهُمْ لَهَا قُرْبٌ وَبَعْدٌ، وَحَرَكَةٌ وَصُعُودٌ، وَهُبُوطٌ وَمَكَانَةٌ، كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ لَهُ كَذَلِكَ، وَالنَّاسُ يُحِسُّ أَحَدُهُمْ بِقُرْبِ قَلْبِ بَعْضِ النَّاسِ مِنْ قَلْبِهِ وَبُعْدِهِ مِنْهُ.
فَالسَّاجِدُ إِذَا سَجَدَ يَتَقَرَّبُ قَلْبُهُ وَرُوحُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ جَمِيعُهَا الَّتِي يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَى
[ ص: 59 ] اللَّهِ تَقْرُبُ بِهَا رُوحُهُ وَقَلْبُهُ إِلَى اللَّهِ نَفْسِهِ، فَإِذَا كَانَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ (قَرُبَ جَسَدُهُ –أَيْضًا- مَعَ قَلْبِهِ، وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضِ دَرَجَاتٍ، وَظَهَرَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ) مَا كَانَ بَاطِنًا فِي الدُّنْيَا.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661659 "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَا إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالكُمْ".