ونحن أقرب إليه من حبل الوريد [ق: 16]، لا يجوز أن يراد به مجرد العلم. وقوله:
فإن من كان بالشيء أعلم من غيره لا يقال إنه أقرب إليه من [ ص: 32 ] غيره، لمجرد علمه به، ولا لمجرد قدرته عليه.
ثم إنه -سبحانه وتعالى- عالم بما يسره من القول وبما يجهر به، وعالم بأعماله، فلا معنى لتخصيصه حبل الوريد بمعنى أنه أقرب إلى العبد منه، فإن حبل الوريد قريب إلى القلب، ليس قريبا إلى قوله الظاهر، وهو يعلم ظاهر الإنسان وباطنه. قال تعالى: وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير [الملك: 13 - 14]، وقال تعالى: أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف: 80]. [ ص: 33 ]
وسياق الآيتين يدل على أن المراد الملائكة، فإنه قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق: 16-18]، فقيد القرب بهذا الزمان، وهو زمان تلقي المتلقيين: قعيد عن اليمين، وقعيد عن الشمال، وهما الملكان الحافظان اللذان يكتبان كما قال: ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد [ق: 18]. ومعلوم أنه لو كان المراد قرب ذاته لم يختص ذلك بهذه الحال، ولم يكن لذكر العتيد والرقيب معنى مناسب. وكذلك قوله في الآية الأخرى: فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون (85) [ ص: 34 ] [الواقعة: 83-85] لو أراد قرب ذاته لم يخص ذلك بهذه الحال، ولا قال: ولكن لا تبصرون [الواقعة: 85] فإن هذا إنما يقال إذا كان هناك من يجوز أن يبصر في بعض الأحوال، لكن لا نبصره، والرب -تبارك وتعالى- لا يراه -في هذه الحال أحد- لا الملائكة ولا البشر.