[ ص: 369 ] 911 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقضي بين الفقهاء المختلفين في الرطب هل هو من الفاكهة ، أم ليس هو منها ؟
قال : قال أبو جعفر ، وكان تفرد فيما قد حدثنا أبو حنيفة محمد بن العباس بن الربيع ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا محمد بن الحسن ، أخبرنا يعقوب ، عن ، قال : ليس الرطب من الفاكهة . أبي حنيفة
وحدثنا سليمان بن شعيب ، حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن الحسن ، عن ، عن أبي يوسف ، بمثل ذلك ، وزاد أن قال : لأن الله عز وجل قال : أبي حنيفة فيهما فاكهة ونخل ورمان فأخبر أن النخل والرمان منها ما يكون من ثمارها ليس من الفاكهة .
قال محمد بن العباس ، وسليمان جميعا في روايتهما : وقال : هو من الفاكهة ، وقال أبو يوسف محمد بن العباس في روايته : عن محمد بن الحسن مثل ذلك .
وقال سليمان في روايته : ليس فيما احتج به من الآية التي تلاها ما يجب به أن يكون الرطب خارجا من الفاكهة ، وإنما ذلك على التوكيد له : أنه من الفاكهة بدخوله في جملة الفاكهة ، وبإعادة ذكره بعد ذلك على الانفراد ما لا يجب خروجه من الفاكهة ، كما قال الله [ ص: 370 ] عز وجل أبو حنيفة من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال ليس على أنهما غير الملائكة ولكن على توكيد أمرهما بأن ذكرهما في جملة الملائكة ، ثم أفردهما بالذكر بما ذكرهما به ، ومثل ذلك قوله تعالى وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح ، ثم ذكر من ذكره من سواهما صلى الله عليهم أجمعين للتوكيد ، ولمكانهم من النبوة لا لما سوى ذلك ، فمثل ذلك في الرطب من الفاكهة قد يحتمل أيضا أن يكون دخل في الفاكهة التي ذكرها الله عز وجل ، ثم أفرده بالذكر ، وكان في ذلك توكيد أمره أنه من الفاكهة .
وكان مما يحتج به من يذهب إلى قول الذي ذكرناه عنه على المحتجين بهذه الحجة : أن الذي احتجوا به منها قد قامت الحجة فيها بما ذكروا ، ولم تقم الحجة في الرطب أنه من الفاكهة بمثل ذلك ، والحجة مطلوبة في ذلك إلى الآن . أبي حنيفة
فكان مما احتج به من ذهب إلى قول هذا أنه قد وجد عن أبي حنيفة عبد الله بن عباس ما يدل على أن الرطب ليس من الفاكهة .
5686 - كما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا عفان بن مسلم ، حدثنا عبد الواحد بن زياد عاصم بن كليب الجرمي ، عن أبيه ، قال : قال لي : عبد الله بن عباس رضي الله عنه إذا دعا الأشياخ من أصحاب عمر محمد صلى الله عليه وسلم دعاني معهم ، فقال : لا تتكلم حتى يتكلموا ، فدعانا ذات يوم أو ذات ليلة ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال [ ص: 371 ] في ليلة القدر ما قد علمتم : التمسوها في العشر الأواخر وترا ، ففي أي وتر ترونها ؟ فقال رجل : من أية تاسعة سابعة خامسة ثالثة ، فقال لي ما لك : لا تتكلم ، قلت : إن شئت تكلمت ، قال : إنما دعوتك لتتكلم ، قلت : إني إنما أقول برأيي ، قال : عن رأيك أسألك ، قلت : إني سمعت الله تعالى يقول : ذكر السبع ، فذكر السماوات سبعا ، والأرضين سبعا ، وما أنبتت الأرض سبعا ، قال الله عز وجل : " ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا " فالحدائق : كل ملتف حديقة ، والأب : ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس ، قال عمر : أعجزتم أن تقولوا مثل ما قال هذا ؟! كان
قالوا : ففي هذا الحديث ذكر عبد الله بن عباس ما أنبتت الأرض [ ص: 372 ] أنه سبع ، وفي الآية أنه ثمان ، وكنا إذا تأملنا هذا عقلنا أن العنب من الفاكهة ولا اختلاف بين أهل العلم في ذلك فدخل العنب في الفاكهة ، وذكر منفردا في هذه الآية ، فعاد ما بقي في هذه الآية إلى سبع ، لا إلى أكثر منها ، فعقلنا بذلك أن النخل التي يكون عنها الرطب غير الفاكهة ، لأنا لو رددناها إلى الفاكهة ، عاد ما في الآية ستا ، فدل ذلك أن الرطب غير الفاكهة ، وقد كان ذلك من عبد الله بن عباس بمشهد من ، ومن سواه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار ، فلم يدفعوا عبد الله بن عباس بما قال من ذلك ولم يخالفوه فيه ، فدل ذلك على متابعتهم إياه عليه فكان هذا القول لو خلينا وإياه أولى مما قيل في هذا الباب ، غير أنا لما وجدنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم في العجوة أنها من فاكهة الجنة مما قد روينا فيها في هذا الباب قبل هذا الباب ، وكان هو الذي لا يحدث غيره ، لأنه من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو الحجة على الناس جميعا ، وجب أن يحمل ذلك على أن الرطب داخل في الفاكهة ، وعلى أن ما بقي من الفاكهة بعد الرطب وبعد العنب هو الذي يتم به العدد حتى يكون المذكور في حديث ، كما أراده حتى تكون الفاكهة كما قال الذين قالوا : إن الرطب منها لا كما قال من خالفهم في ذلك . ابن عباس
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب أيضا حديث آخر ، وهو :
5687 - ما قد حدثنا ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني حصين بن عمر الأحمسي ، حدثنا مخارق ، عن [ ص: 373 ] ، عن طارق قال : عمر محمد في الجنة فاكهة ؟ ! قال : فيها فاكهة ونخل ورمان ، قال : ويأكلون كما يأكلون في الدنيا ! قال : نعم وأضعاف ذلك ، قال : فيقضون الحوائج ؟ قال : لا ، ولكنهم يعرقون ويرشحون ، فيذهب الله تعالى ما في بطونهم من أذى جاء ناس من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا .
فكان في هذا الحديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سئل : في الجنة فاكهة ؟ قال : فيها فاكهة ونخل ورمان ، فاستحال أن يكون صلى الله عليه وسلم أجاب من سأله عن الفاكهة بذكره ما سوى الفاكهة ، ولكنه أجابه بذكره الفاكهة ، وكان في ذلك ما قد دل أن النخل والرمان من الفواكه ، وبالله التوفيق .