[ ص: 432 ] 73 - باب بيان مشكل ما روي { عنه عليه السلام من قوله لقبيصة بن المخارق الهلالي : إن المسألة حرمت إلا في ثلاث } ، ثم ذكرهن ، ثم أعقب ذلك بقوله : { وما سوى ذلك من المسألة فهي سحت }
491 - حدثنا ، حدثنا يونس ، عن ابن عيينة ، عن هارون بن رئاب كنانة بن نعيم ، { عن قبيصة بن المخارق قبيصة ، إن المسألة حرمت إلا في ثلاث رجل تحمل بحمالة ، فحلت له المسألة حتى يؤديها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ، ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة حتى تكلم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : أن قد حلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش ، ثم يمسك أنه تحمل بحمالة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : نخرجها عنك من إبل الصدقة ، أو نعم الصدقة يا } .
[ ص: 433 ]
492 - حدثنا ، حدثنا بكار ، حدثنا الحجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن هارون كنانة ، عن قبيصة ، عن النبي عليه السلام مثله . وزاد : { رجل حمل حمالة عن قومه أراد بها الإصلاح } .
493 - حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا سليمان بن حرب ، عن حماد بن زيد ، عن هارون بن رئاب كنانة يعني العدوي ، عن قبيصة بن المخارق الهلالي ، عن النبي عليه السلام ، ثم ذكر مثله غير أنه لم يذكر الزيادة التي زادها بكار في حديثه .
494 - وحدثنا ، حدثنا يونس قال : قال بشار بن بكر : وحدثني الأوزاعي ، حدثني هارون بن رئاب أبو بكر - قال : وهو أبو جعفر كنانة بن نعيم - قال : كنت عند قبيصة جالسا ثم ذكر عنه أنه سمع رسول الله عليه السلام يقول ... ثم ذكر مثله .
495 - وحدثنا ، حدثنا أحمد بن شعيب ، حدثنا [ ص: 434 ] علي بن حجر ، عن إسماعيل بن إبراهيم ، عن أيوب ، عن هارون بن رئاب كنانة بن نعيم ، عن قبيصة بن المخارق ، عن النبي عليه السلام فذكر مثله .
فتأملنا هذا الحديث فوجدنا الأشياء الثلاثة التي أباح النبي عليه السلام عندها المسألة المحظورة قبل ذلك منها الحمالة التي يريد بها المتحمل الإصلاح ، فيسأل عند ذلك حتى يؤديها .
وفي ذلك دليل على لزوم الحمالة من تحمل بها ، ووجوبها عليه دينا ، ووجوب أخذه بها ، وإن كان المتحمل بها عنه مقدورا على مطالبته كما يقول ذلك من يقوله من أهل العلم منهم ، أبو حنيفة وأبو يوسف ، ومحمد ، والشافعي .
وقد كان مالك قاله فيما حكاه عنه ابن القاسم ، ثم رجع عنه إلى أن قال : لا يجب للمتحمل له أن يطالب الحميل بما حمل حتى لا يقدر على مطالبة المتحمل عنه .
ومنها المسألة عند الحاجة الذي يتكلم عندها ثلاثة من ذوي الحجا من قوم السائل : أن قد حلت له المسألة ، فيسأل عند ذلك حتى يسد حاجته .
فقال قائل : فكيف قصد في هذا إلى الثلاثة من قومه دون الاثنين ، وقد جعل الله الاثنين حجة في الشهادة ، وفي الحكم في جزاء الصيد ، وفي الحكم بين الزوجين في الشقاق .
فكان جوابنا له في ذلك - بتوفيق الله جل وعز وعونه - أن الخلق عبيد الله يتعبدهم بما شاء ، فتعبدهم بأن جعل الاثنين حجة فيما جعلهما فيه كذلك ، [ ص: 435 ] ثم جعل الحجة في غير ذلك ، وهو الزنى بأكثر من عددهما ، وكان مثل ذلك في المسألة التي أباح المسألة عندها تعبدهم فيه على لسان رسول الله عليه السلام بثلاثة ، وخالف بين ذلك ، وبين ما سواه مما جعل الاثنين فيه حجة ، وكانت الحاجة التي ذكرنا دون الحاجة المذكورة معها في هذا الحديث ، فكانت الحاجة مما تختلف أحوال الناس عندها ، ويكون الذي نزلت به بخلاف الذي أصابته الجائحة ، التي لم يبق له معها شيء ، فكان يحتاج إلى سد حاجته ، فلم يجعل له ذلك بقوله : إن المسألة قد حلت له حتى رد إلى أقوال العدد المذكورين في هذا الحديث ، وكانت حاجات الناس مختلفة باختلاف مؤنهم في قليلها ، وفي كثيرها .
فكان ذلك مردودا إلى مقدار الحاجة في نفسها ، وكان السؤال طلقا من أجلها لأهلها حتى يسدها الله تعالى بما شاء أن يسدها به من مقادير الأشياء ، ولم يذكر من أجل ذلك مقدار ما يمنع من المسألة بعينه ، ولم يكن ذلك مخالفا للمقادير التي ذكرناها في هذا الباب الذي قبل هذا الباب ، وكان ما في ذلك للحاجة التي لا حاجة بعدها ، وكان ما في هذا الحديث للحاجة التي قد تكون ، وبقي معها للذي قد يلتمس المسألة من أجلها شيء من ماله ، لا يستطيع به سداد حاجته ، فأبيحت له المسألة حتى يسدها ، واختلف مقادير الناس في ذلك في حاجاتهم فلم يذكر مقدار الباقي للذي أبيحت له المسألة معه لذلك ، وبالله التوفيق .