[ ص: 166 ] 500 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله في شجر مكة وفي خلاها ومن قول العباس له عند ذلك لما وقف على منعه منه : إلا الإذخر ، ومن قوله له جوابا لكلامه : إلا الإذخر
3138 - حدثنا ، قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، أصبغ بن الفرج وموسى بن هارون البردي ، قالوا : حدثنا ونعيم بن حماد ، عن جرير بن عبد الحميد ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن طاوس ، قال : ابن عباس العباس : يا رسول الله إلا الإذخر ؛ فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة : إن هذا البلد حرمه الله عز وجل يوم خلق السماوات والأرض ، فهو حرام بحرمة الله عز وجل إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل فيه القتال لأحد قبلي ، ولا يحل لي إلا ساعة من نهار ، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا تلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاها ، فقال .
[ ص: 167 ]
3139 - حدثنا محمد بن العباس بن الربيع ، عن ، وحدثنا علي بن معبد ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا عمرو بن أبي عون الواسطي ، عن أبو يوسف ، عن يزيد بن أبي زياد ، عن مجاهد رضي الله عنهما ، أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : عبد الله بن عباس مكة يوم خلق السماوات والأرض والشمس والقمر ، ووضعها بين هذين الأخشبين ، لم تحل لأحد قبلي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، لا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يرفع لقطها إلا منشدها ، فقال العباس : إلا الإذخر ، فإنه [ ص: 168 ] لا غنى لأهل مكة لبيوتهم وقبورهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر إن الله عز وجل حرم .
3140 - حدثنا الحسن بن غليب ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا يوسف بن عدي ، عن عبد الرحيم بن سليمان ، فذكر بإسناده مثله إلا أنه قال : فقال يزيد بن أبي زياد العباس : يا رسول الله ، إن أهل مكة لا صبر لهم عن الإذخر ، فقال : إلا الإذخر .
3141 - وحدثنا أحمد بن محمد بن سلام البغدادي ، قال : حدثنا ، قال : أخبرنا وهب بن بقية ، عن خالد ، عن خالد ، عن عكرمة رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ابن عباس مكة ، فلم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم ذكر بقية الحديث الذي قبله إن الله عز وجل حرم .
[ ص: 169 ]
3142 - حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب سعيد بن عبد الرحمن المخزومي ، قال : حدثنا ، عن سفيان ، عن عمرو ، عن عكرمة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : ابن عباس العباس - وكان رجلا مجربا - ، فقال : إلا الإذخر ، فإنه لبيوتنا ولقبورنا وقيوننا ، فقال : إلا الإذخر فقام .
3143 - وحدثنا ، قال : حدثنا محمد بن علي بن داود ، قال : حدثنا عبيد بن يعيش الكوفي ، قال : حدثنا يونس بن بكير ، قال : حدثنا ابن إسحاق أبان بن صالح ، عن الحسن بن مسلم بن يناق ، عن ، قالت : صفية ابنة شيبة مكة يوم خلق السماوات والأرض ، فهي حرام إلى يوم القيامة ؛ لا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يأخذ لقطتها إلا منشد ، فقال : يا رسول الله إلا الإذخر ، فإنه لظهور البيوت والقبور ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر العباس بن عبد المطلب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الفتح ، فقال : أيها الناس ، إن الله عز وجل حرم .
[ ص: 170 ]
3144 - حدثنا ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن ميمون ، عن الوليد بن مسلم ، قال : حدثني الأوزاعي ، قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، قال : حدثني أبو سلمة أبو هريرة أهل مكة القتل - هكذا قال ، وإنما هي : الفيل - وسلط عليهم رسوله والمؤمنين ، فإنها لم تحل لأحد قبلي ، ولا تحل لأحد بعدي ، ولم تحل لي إلا ساعة من نهار ، وإنها ساعتي هذه ، حتى إنه لا يعضد شجرها ، ولا يختلى شوكها ، فقام العباس ، فقال : يا رسول الله ، إلا الإذخر فإنه نجعله في قبورنا وبيوتنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال في خطبته لما فتحت مكة : إن الله عز وجل حبس عن .
[ ص: 171 ]
3145 - حدثنا ، قال : حدثنا بكار بن قتيبة ، قال : حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن حرب بن شداد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ، غير أنه قال : إن الله عز وجل حبس عن أبي هريرة أهل مكة الفيل وغير أنه قال : فقام رجل من قريش مكان ما في الحديث الأول من قول راويه : فقام العباس .
3146 - وحدثنا ، قال : حدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال : أخبرنا سعيد بن أبي مريم ، قال : حدثنا ابن الدراوردي ، عن محمد بن عمرو بن علقمة ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه ، قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحجون ، فقال : والله إنك لخير أرض الله عز وجل ، وأحب أرض الله إلى الله ، ولو أني لم أخرج منك ما خرجت ، وإنها لم تحل لأحد [ ص: 172 ] كان قبلي ، ثم ذكر مثله ، غير أنه قال فيه : ولا تلتقط ضالتها إلا لمنشد ، فقال رجل يقال له أبي هريرة شاه : يا رسول الله ، إلا الإذخر ، ثم ذكر بقية الحديث .
فسأل سائل عما أضيف في هذه الأحاديث إلى العباس أو إلى من ذكر سواه من قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر حرمة شجر مكة ، وحرمة خلاها إلا الإذخر استثناء من ذلك ، وأنكر أن يكون ذلك كان من العباس ، وأن يكون رسول الله يقار أحدا على ذلك .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه أن هذه الآثار ثابتة ، صحيحة المجيء ، مقبولة كلها ، وأن الذي كان من العباس أو ممن سواه فيها غير منكر من مثله ، وأن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنكار ذلك [ ص: 173 ] عليه غير منكر أيضا ، وكيف ينكر عليه ما هو محمود فيه ، إذ قد علم من حاجة أهل مكة إلى الإذخر ما هم عليه منها ، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال ، طلب منه مراجعة ربه في ذلك كما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث المعراج ربه عز وجل لما افترض على أمته خمسين صلاة في اليوم والليلة التخفيف مرة بعد مرة حتى ردها إلى خمس صلوات ، وكما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القرآن على حرف ، فراجع في ذلك مرة بعد مرة حتى رد إلى سبعة أحرف .
فكان مثل ذلك ما كان من العباس أو من غيره مما ذكرنا ، وكان قوله "إلا الإذخر " وقطعه الكلام عند ذلك لعلمه بفهم النبي صلى الله عليه وسلم ما أراده منه من سؤاله ربه عز وجل عن ذلك ، فغني عن الكلام به ، كما تستعمل العرب في كلامها للاختصار السكوت عن الكلام به لعلمها بفهم من تخاطبه بذلك ما خاطبته به من أجله حتى يأتوا ببعض الكلمة ، ويتركوا بقيتها .
ومن ذلك قولهم : "كفى بالسيف شا" ، يريدون شاهدا ، حتى تعالى ذلك أن جاء القرآن به ، فمن ذلك قوله عز وجل : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ، ثم قطع بقية الكلام ، وهو مما قد اختلف أهل العلم فيه ما هو ، فقال بعضهم : هو : لكفروا به ، وقال بعضهم : هو : لكان هذا القرآن .
ومن ذلك قوله عز وجل : ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ، وترك ذكر ما كان يكون لولا فضله ورحمته .
ومن ذلك قوله : أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه . [ ص: 174 ] ثم قال : هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وترك ذكر من ليس هو مثله لغناه عن ذلك بفهم المخاطبين به .
فمثل ذلك قول العباس أو من قاله سواه لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إلا الإذخر غني عن استتمام الكلام بما أراد لعلمه بفهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ما أراد .
فقال هذا القائل : فقد كان من النبي صلى الله عليه وسلم له ذلك الجواب بلا زمان فيما بين السؤال وبين الجواب يكون فيه الوحي لذلك الجواب .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أنه قد يحتمل في لطيف قدرة الله عز وجل مجيء الوحي في ذلك الوقت من حيث لا نعقل نحن مجيء مثله فيه ، ويحتمل أن يكون كان من النبي صلى الله عليه وسلم فيه ما كان بإلقاء جبريل صلى الله عليه وسلم ذلك إليه ، كما قال للذي سأله في حديث أبي قتادة : جبريل صلى الله عليه وسلم أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ، مقبلا غير مدبر ، يكفر الله عني خطاياي ؟ فقال : نعم . فلما ولى قال له : إلا أن يكون عليك دين ، كذلك قال لي .
فدل ذلك على حضور جبريل صلى الله عليه وسلم جوابه الأول ، وقوله له ما قاله لسائله جوابا ثانيا .
وإذا كنا قد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سنذكره فيما بعد من كتابنا هذا إن شاء الله من قوله لحسان في وقت مهاجاته المشركين عنه : [ ص: 175 ] اهجهم وجبريل معك .
وإذا كان جبريل لمهاجاته قريشا مع حسان ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بكونه معه في خطبته التي يخبر الناس فيها عن الله عز وجل بشرائع دينهم ، وبفرائضه عليهم أولى ، وبكون جبريل صلى الله عليه وسلم معه في ذلك الوقت أحرى .
فبان بحمد الله ونعمته أن لا منكر في شيء مما أنكره هذا الجاهل بآثار رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكرناه عنه ، والله عز وجل نسأله التوفيق .