[ ص: 286 ] 901 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله للناس بعد ما أقيمت الصلاة : سووا صفوفكم وتراصوا إني لأراكم من خلف ظهري
5623 - حدثنا ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي ، عن حميد الطويل ، قال : أنس بن مالك أقبل علينا رسول الله بعد ما أقيمت الصلاة قبل أن يكبر ، فقال : أقيموا صفوفكم وتراصوا ، إني لأراكم من وراء ظهري .
[ ص: 287 ] قال قائل : كيف تقبلون مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد رويتم عنه في حديث أبي بكرة قوله : فلما فرغ من صلاته ، وقد كان أبو بكرة جاء يسعى وهو فيها ، وقد حفزه النفس ، فركع دون الصف : أيكم الذي ركع دون الصف ؟ قال أبو بكرة : فقلت : أنا . قال : زادك الله حرصا ولا تعد ، فهذا قد دل على أنه كان خلفه ما لم يره حتى استعلمه من غيره ، وقد رويتم أيضا ، فذكر .
5624 - ما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن عبد الله بن بكر ، عن حميد ، قال : أنس قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فجاء رجل بعد قيام النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة ، فأسرع المشي ، فانتهى إلى القوم ، وقد حفزه النفس ، فقال حين انتهى إلى الصف : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه . فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته ، قال : من المتكلم أو القائل الكلمات ؟ فسكت القوم ، فقال مثلها . قال : من هو ؟ فإنه لم يقل [ ص: 288 ] بأسا ، أو قال : إلا خيرا . فقال الرجل : جئت يا رسول الله فأسرعت المشي وقد انبهرت أو حفزني النفس ، فقلت الذي قلت . قال : لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها ، ثم قال : إذا جاء أحدكم إلى الصلاة ، فليمش على هينته ، وليصل ما أدرك ، وليقض ما سبق به .
قال : ففي هذا أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن علم قائل هذه الكلمات من هو ؟ حتى استعلمه من غيره ، وهذا تضاد شديد .
فكان جوابنا له في ذلك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل في الحديث الذي بدأنا بذكره في هذا الباب : إني أراكم من خلف ظهري بعيني ، والرؤية قد تكون بالعين ، وقد تكون بالعلم ، ومن ذلك قوله تعالى : ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون [ ص: 289 ] أي : علمتموه ، وإن كنتم لم تعاينوه بأعينكم .
ومن ذلك : ما حكاه عن عبده ونبيه شعيب عليه السلام من قوله لقومه : إني أراكم بخير ، وشعيب قد كان أعمى ، [ ص: 290 ] فكان ذلك له رؤية علم فدل ذلك : أنه قد تكون الرؤية بالعين ، وقد تكون الرؤية رؤية علم ، وكان قوله صلى الله عليه وسلم : فإني أراكم من خلف ظهري ، أي لما يلقي الله في قلبه ما هم عليه في صلواتهم من الخشوع فيها وما سواه مما يكونون عليه فيها خلفه ، فبان بحمد الله أن لا تضاد في شيء مما توهمه هذا المتوهم أنه تضاد في آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم .