[ ص: 69 ] 802 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ما ذكره النعمان بن بشير عنه من نحله أبيه إياه شيئا ، ومن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - له لما أشهده على ذلك :" أكل ولدك نحلت مثل هذا ؟ " ، قال : لا . قال : " فارجعه " .
5070 - حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري محمد بن النعمان ، أخبراه : أنهما سمعا وحميد بن عبد الرحمن ، يقول : النعمان بن بشير نحلني أبي غلاما ، فأمرتني أمي أن أذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشهده على ذلك ، فقال : أكل ولدك أعطيته ؟ " فقال : لا . فقال : " اردده .
[ ص: 70 ]
5071 - حدثنا ، قال : أخبرنا يونس ، أن ابن وهب حدثه ، عن مالكا ، عن ابن شهاب ، وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف محمد بن النعمان بن بشير ، يحدثانه ، عن ، قال : النعمان بن بشير إن أباه أتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ " فقال : لا . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فارجعه .
قال : ففي هذا الحديث أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو جعفر بشيرا بأن يرد ما أعطى النعمان لما أعلمه أنه لم يعط من سواه من ولده مثل ما أعطاه إياه من ذلك ، والنعمان يومئذ فكان صغيرا لا اختلاف بين أهل العلم في ذلك ، فكان أبوه قابضا له من نفسه ما نحله إياه ، وفي ذلك وجوب خروجه من ملكه إلى ملك النعمان ابنه .
[ ص: 71 ] فتأملنا هذا الحديث هل رواه عن النعمان غير حميد بن عبد الرحمن وغير ابنه محمد بن النعمان ، بخلاف ما روياه عليه عنه ، أم لا . ؟
5072 - فوجدنا نصر بن مرزوق قد حدثنا ، قال : حدثنا الخصيب بن ناصح الحارثي ، قال : حدثنا ، عن وهيب بن خالد ، عن داود بن أبي هند ، عن عامر الشعبي ، قال : النعمان بن بشير انطلق أبي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحلني نحلا ليشهده على ذلك ، قال : أكل ولدك نحلته مثل هذا ؟ " فقال : لا . قال : " أيسرك أن يكونوا إليك في البر كلهم سواء ؟ " قال : بلى . قال : " فأشهد على هذا غيري .
قال : فكان ذلك عندنا - والله أعلم - على الوعيد الذي ظاهره ظاهر الأمر ، وباطنه الزجر ، كقول الله - عز وجل - في كتابه : [ ص: 72 ] أبو جعفر اعملوا ما شئتم ، وقد روي هذا أيضا عن بمعنى زائد على هذا المعنى رواه عليه عنه الشعبي داود .
5073 - كما حدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ، عن ورقاء ، عن المغيرة ، قال : سمعت الشعبي على منبرنا هذا يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : النعمان سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر .
5074 - وكما حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، عن عباد بن العوام ، عن حصين بن عبد الرحمن ، قال : سمعت الشعبي ، يقول : النعمان بن بشير عمرة ابنة رواحة ، لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتى رسول الله ، فقال : إني قد أعطيت ابني من عطية ، وإني أشهدك ، قال أكل ولدك أعطيت مثل هذا ؟ قال : لا . قال : فاتقوا الله ، واعدلوا بين أولادكم عمرة أعطاني أبي عطية ، فقالت أمي .
[ ص: 73 ]
5075 - وكما حدثنا ، قال : حدثنا ابن أبي داود ، قال : حدثنا أبو عمر الحوضي مرجى بن رجاء ، قال : حدثنا عن داود - يعني ابن أبي هند - ، عن الشعبي ، قال : النعمان بن بشير النعمان من مالي كذا وكذا . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أكل ولدك نحلت ؟ " قال : لا . قال : " أما يسرك أن يكونوا لك في البر سواء " ؟ قال: بلى . قال : " فلا إذا انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : اشهد أني قد نحلت .
قال : فكان فيما روينا كراهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أبو جعفر بشير ما كان منه في اختصاصه ابنه النعمان بما اختصه به من ماله دون سائر ولده ، وأمره إياه مع ذلك بالعدل بين أولاده ، وليس في شيء من ذلك ذكر لرد ما نحله إياه ، فقد خالف هذا ما رويناه قبله في الفصل الأول من هذا الباب .
ثم نظرنا هل روى هذا الحديث عن النعمان غير من ذكرنا . ؟ [ ص: 74 ]
5076 - فوجدنا فهد بن سليمان قد حدثنا ، قال : حدثنا . أبو نعيم
5077 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا مسدد ، ثم اجتمعا جميعا ، فقالا : عن يحيى بن سعيد ، قال : حدثنا فطر بن خليفة ، قال : سمعت أبو الضحى ، يقول : النعمان بن بشير ذهب بي أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشهده على شيء أعطانيه ، فقال: ألك ولد غيره ؟ " قال : نعم . فقال بيده : " ألا سويت بينهم ؟ " .
فكان ما في هذا الحديث أيضا مخالفا لما رواه عليه حميد ومحمد بن النعمان عن النعمان ، فعقلنا بذلك أن معنى ما في حديث نصر بن مرزوق : " أشهد على هذا غيري " ، إنما كان على الوعيد الذي فيه التحذير له من السبب الذي يخالف بين أولاده في البر به في الانحراف عنه ; لتفضيله غيره منهم عليه فيما أعطاه إياه ، مع تساويهم [ ص: 75 ] في مواضعهم منه .
غير أنه قد روى هذا الحديث عن عن الشعبي ، النعمان غير من ذكرنا ، بزيادة على ما رواه عليه عنه ، عن النعمان من ذكرنا .
5078 - كما حدثنا ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة مجالد وآخر ، قال : سمعت يقول : سمعت الشعبي - وكان أميرا على النعمان بن بشير الكوفة - يقول : نحلني أبي غلاما ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشهده ، فقال : أكل ولدك أعطيته ؟ " قال : لا . قال : " لا أشهد إلا على حق .
فكان معنى هذا الحديث أيضا قد دل على ما ذكرنا ; لأن ما دعا من الأولاد أو من بعضهم إلى التقصير في بر أبيهم ضد للحق الذي ينبغي أن تجري الأمور عليه .
5079 - وقد حدثنا ، قال : أخبرنا أحمد بن شعيب موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو أسامة أبو حيان ، عن ، قال : حدثني الشعبي : النعمان بن بشير الأنصاري ابنة رواحة سألت أباه [ ص: 76 ] بعض الموهبة من ماله لابنها ، فالتوى بها سنة ، ثم بدا له فوهبها له ، فقالت : لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وهبت لابني ، فأخذ أبي بيدي ، وأنا غلام يومئذ ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن أم هذا ابنة رواحة قاتلتني منذ سنة على بعض الموهبة من مالي لابني هذا ، وقد بدا لي ، فوهبتها له ، وقد أعجبها أن تشهدك على الذي وهبت له . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا بشير لك ولد سوى هذا ؟ " . قال : نعم .فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أفكلهم وهبت لهم مثل الذي وهبت لابنك هذا ؟ قال : لا . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : " فلا تشهدني إذا ، فإني لا أشهد على جور أن أمه .
فعقلنا بذلك أن معنى قوله فيما قد رويناه في غير هذا الحديث في هذا الباب : " أشهد على هذا غيري " إنما كان على الوعيد ، لا على إطلاقه له أن يشهد عليه غيره شهادة يجوز له بها ما أعطاه .
ثم نظرنا : هل روى هذا الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير النعمان ؟ فوجدنا قد رواه عنه - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ما رواه جابر بن عبد الله النعمان عليه عنه .
[ ص: 77 ]
5080 - كما حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان ( ح ) ، وكما حدثنا عمرو بن خالد فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، ثم اجتمعا ، فقال كل واحد منهما ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ، قال : حدثنا زهير بن معاوية الجعفي ، عن أبو الزبير ، قال : جابر لبشير : انحل ابني غلامك ، وأشهد لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي ، وقالت : أشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . قال : " أله إخوة " ؟ قال : نعم . قال : " أفكلهم أعطيته ؟ " قال : لا . قال : فإن هذا لا يصلح ، وإني لا أشهد إلا على حق قالت امرأة بشير .
فكان الذي في هذا الحديث إخبار بشير النبي - صلى الله عليه وسلم - سؤال امرأته إياه ما سألته أن ينحله ابنها ، وإشهاده على ذلك ، وأن الذي كان من جواب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما كان له في استرشاد أرشده ، لا في عطية كانت تقدمت منه قبل ذلك ، وكان هذا من جابر أولى بما في هذه الآثار لموضع جابر من السن والعلم وجلالة مقداره فيه ; ولأن النعمان كان يومئذ صغيرا ، ليس معه من الضبط لما سمعه مثل ما مع جابر في ذلك ، مع أنه قد روى ، عن شعيب بن أبي حمزة ، عن [ ص: 78 ] الزهري حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان ، عن النعمان هذا الحديث بمعنى يدل على ما رواه عليه جابر .
5081 - كما قد حدثنا فهد بن سليمان ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو اليمان ، عن شعيب بن أبي حمزة ، قال : سمعت الزهري حميد بن عبد الرحمن ومحمد بن النعمان أنهما سمعا ، يقول : النعمان بن بشير نحلني أبي غلاما ثم مشى بي حتى أدخلني على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إني نحلت ابني غلاما ، فإن أذنت لي أن أجيزه له أجزته ، ثم ذكر بقية الحديث على ما ذكرناه من حديث مالك وسفيان في أول هذا الباب .
فدل ذلك أن نحله إياه لم يكن نحلا باتا ، وأنه كان نحلا منتظرا فيه ما يقوله رسول الله فيه من إمضاء له أو من ما سوى ذلك .
فقال قائل : وكيف يجوز أن يطلق في هذا ذكر نحل لا حقيقة معه ؟ فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - عز وجل - وعونه : أن ذلك كان لسعة لغة العرب ; ولأنهم قد يجيزون بكون الأشياء لقرب كونها ، وإن لم تكن في الحقيقة قد كانت ، ومن ذلك قول الله - عز وجل : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم [ ص: 79 ] بمعنى : وإذا أردت أن تقرأ القرآن ، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ، ومن ذلك تسميتهم المأمور بذبحه من ابني إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ذبيحا ، ليس لأنه ذبح ; ولكن لقربه من الذبح ، ومثل هذا في كلامهم كثير ، فقد بان بحمد الله ونعمته : أن لا اختلاف فيما روى جابر ، ولا فيما روى النعمان عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب .
وبعد هذا فقد اختلف أهل العلم في التعديل بين الأولاد في مثل هذا ، فقال بعضهم : هو على التسوية بين ذكورهم وإناثهم في ذلك ، وممن ذهب إلى ذلك منهم : . أبو يوسف
وذهب بعضهم إلى أنه إجراؤهم على سبيل المواريث التي ورثهم الله - عز وجل - بها أموال آبائهم ، وممن ذهب إلى ذلك محمد بن الحسن .
وكان القول عندنا في ذلك ما ذهب إليه فيه ; لأن ذلك قد رد في هذه الآثار إلى معنى البر من الأولاد لآبائهم ، والذي يراد من إناثهم في ذلك ، كالذي يراد من ذكرانهم ، ولم يبن لنا في شيء من هذه الآثار أن للوالد إذا وهب لولده هبة تمت منه له ، وإن كان قد خالف فيها ما أمر به في أولاده أن له أن يرجع فيها ، ولا أن يبطلها ، والله نسأله التوفيق . أبو يوسف