[ ص: 448 ] 545 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في السبب الذي نزلت فيه : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم الآية
3375 - حدثنا ، إبراهيم بن مرزوق جميعا ، قالا : حدثنا وإبراهيم بن منقذ ، قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، قال : محمد بن عبد الرحمن بن نوفل الأسدي أهل المدينة بعث إلى اليمن ، فكنت فيهم ، فلقيت فنهاني عن ذلك ، ثم قال : أخبرني عكرمة أن ناسا من المسلمين كانوا يكثرون سواد المشركين ، فيأتي السهم برماية ، فيصيب أحدهم فيقتله ، فأنزل الله عز وجل : ابن عباس إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قطع على .
[ ص: 449 ]
3376 - وحدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن بشر بن عمر الزهراني ، قال : حدثنا عبد الله بن لهيعة ، عن أبو الأسود ، عن عكرمة ، ابن عباس إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم إلى آخر الآية أن أناسا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سوادهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فيأتي السهم برماية ، فيصيب أحدهم فيقتله ، أو يضرب فيقتل ، فأنزل الله عز وجل : .
[ ص: 450 ]
3377 - وحدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا الفضل بن سهل الأعرج ، قال : حدثنا أبو أحمد الزبيري محمد بن شريك المكي ، عن ، عن عمرو بن دينار ، عن عكرمة ، قال : ابن عباس أهل مكة أسلموا ، وكانوا يستخفون بالإسلام ، فأخرجهم المشركون يوم بدر معهم بعض قبل بعض ، فقال المسلمون : قد كان أصحابنا هؤلاء مسلمين وأكرهوا ، فاستغفروا لهم ، فنزلت هذه الآية : إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم إلى آخر الآية كان قوم من .
فقال قائل : ما معنى قوله عز وجل الذي وصله بما تلوته علينا من [ ص: 451 ] قوله عز وجل في هذه الآية : إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وهم لم يكن لهم ذنوب ، فيعفى لهم عنها ، والعفو فإنما يكون عن مستحقي العقوبات بذنوبهم ، وهؤلاء لا ذنوب لهم فيما ذكروا به من هذه الآية يستحقون العقوبة عليها .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن العفو عفوان ، فعفو منهما : هو العفو الذي ذكر ، وعفو منهما : هو رفع العبادة فيما يرفع فيه ، فيعاد لا عبادة فيه يجب بالقيام بها الثواب ، ويستحق بالترك لها العقاب ، ومن ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق ، ليس ذلك على أن شيئا قد كان عليهم فيه فعفا لهم عن ذلك الشيء ، ولكنه على الترك لهم إياهم بلا حق عليهم فيهم ، ولا عبادة تعبدوا بها فيهم .
ومن ذلك قول : ابن عباس كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويدعون أشياء تقذرا ، فلما بعث نبيه صلى الله عليه وسلم أحل حلاله وحرم حرامه ، فما حرم من شيء فهو حرام ، وما أحل من شيء فهو حلال ، وما سكت عنه فهو عفو . فكان معناه في قوله : وما سكت عنه فهو عفو ليس يريد به العفو عن عقوبات ذنوب كانت منهم في ذلك ، ولكنه يريد به ترك ما عفي لهم عنه من ذلك بلا عبادة تعبدهم بها يوجب إتيانهم بها لهم الثواب ، ويوجب تركهم الإتيان بها عليهم العقاب .
[ ص: 452 ] فمثل ذلك - والله أعلم - عفوه عز وجل المذكور في الآية التي تلوناها على المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا بقوله : فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم ، وقوله : عسى الله أن يعفو عنهم ، هو على إيجابه العفو منه لهم ، إذ لم يكن لهم في المقام الذي كانوا فيه حيلة في التحول عنه ، وفي الانتقال منه إلى ضده في الأماكن المحمودة ، فرفع الله ذلك عنهم ، فلم يتعبدهم فيه بما تعبد به من سواهم فيه من قوله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم : أنا بريء من كل مسلم مع مشرك ، لا تراءى ناراهما ، وقد ذكرنا ذلك بإسناده فيما تقدم منا في كتابنا هذا . وكان ما في هذا الحديث في وعيد غليظ ، فرفع الله مثله عن المقيمين في تلك الأمكنة بلا استطاعة منهم الهرب عنها والتحول منها إلى الأمكنة المحمودة ، ورفع عنهم التعبد في ذلك بهذا ، والله أعلم بما أراد في ذلك ، وإياه نسأله التوفيق .