[ ص: 325 ] 581 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعن الرجل أخاه
3706 - حدثنا سليمان بن شعيب الكيساني ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا خالد بن عبد الرحمن الخراساني ، عن عمر بن ذر العيزار بن جرول ، أنه قال : أبا عمير ، وكان صديقا ، فأتاه لابن مسعود في داره ، فلم يوافقه في أهله ، فاستأذن على أهله ، فدخل عليهم ، واستسقاهم من الشراب ، فبعثت المرأة الخادم إلى الجيران في طلب الشراب ، فاستبطأتها ، فلعنتها ، فخرج ابن مسعود عبد الله وجلس في جانب الدار ، وجاء أبو عمير ، فقال : يرحمك الله ، أبا عبد الرحمن ، وهل يغار على مثلك ؟ ! ألا دخلت على ابنة أخيك ، فسلمت عليها ، وأصبت من الشراب . قال : قد فعلت ، قد دخلت عليهم ، فسلمت واستسقيتهم ، فإما لم يكن عندهم شراب ، وإما رغبوا فيما عندهم ، فبعثت المرأة الخادم إلى الجيران في طلب الشراب ، فاستبطأتها ، فلعنتها ، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن اللعنة إذا وجهت توجهت إلى من وجهت إليه ، فإن وجدت عليه سبيلا ، أو وجدت مسلكا دخلته ، وإلا جأرت إلى ربها عز وجل ، فقالت : يا رب إن عبدك فلانا وجهني إلى فلان ، وإني لم أجد عليه سبيلا ، ولم أجد فيه مسلكا ، فما تأمرني . فيقال لها : ارجعي من حيث جئت ، فخفت [ ص: 326 ] أن تكون الخادم معذورة ، فترجع اللعنة فأكون سبيلها ، فذلك الذي أخرجني كان فيهم رجل يكنى ، ولم يذكر لنا الكيساني في حديثه هذا بين وبين ابن مسعود العيزار أحدا ، والعيزار فرجل قديم ، فاحتمل أن يكون حدث بهذا الحديث لأخذه إياه عن ، واحتمل أن يكون بينه وبينه فيه غيره ممن حدثه به عنه . عبد الله بن مسعود
فنظرنا في ذلك .
3707 - فوجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، قال : أخبرنا شعيب بن حرب ، قال : حدثنا عمر بن ذر العيزار بن جرول ، قال : سمعت أبا عمير ، وكان صديقا لعبد الله يحدث عن ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : عبد الله إن اللعنة إذا [ ص: 327 ] هي وجهت إلى أحد توجهت ، فإن وجدت عليه سبيلا أو وجدت فيه مسلكا دخلت عليه ، وإلا رجعت إلى ربها عز وجل ، فقالت : أي رب ، إن فلانا وجهني إلى فلان ، وإني لم أجد عليه سبيلا ، ولم أجد فيه مسلكا ، فما تأمرني ؟ قال : ارجعي من حيث جئت ، فعقلنا بذلك أن العيزار إنما أخذ هذا الحديث عن أبي عمير هذا ، عن عبد الله ، قال : فكان في هذا الحديث أن الإنسان إذا لعن الإنسان فكان الملعون ممن يستحق ذلك سلكت فيه لعنته ، وإن كان بخلاف ذلك رجعت إلى الذي كانت منه ، فسلكت فيه .
فقال قائل : فقد رويت - فيما تقدم منك في كتابك هذا في المرأة التي لعنت بعيرها ، وفي الرجل الذي لعن بعيره - أمره أن لا يصحبه ذانك البعيران ; لأنهما صارا ملعونين ، ولأن اللعن من اللاعن دعاء على من لعنه ، وقد يحتمل أن يوافق من الله عز وجل ساعة نيل فيها عطاؤه ، فكان في هذا الحديث ما قد دل على أن لاعني ناقتيهما قد وافقا من الله عز وجل تلك الساعة ، فعادت ناقتاهما إلى ما عادتا إليه من الطرد والإبعاد ، وهما فلا ذنب لهما ، ولم تعد اللعنة إلى اللاعن فتسلك فيه إذا لم تجد مسلكا في الناقتين الملعونتين ، وهذا تضاد شديد .
فكان جوابنا له بتوفيق الله عز وجل وعونه : أن اللعن للأشياء التي لا ذنوب لها ولا تعبد عليها يرجع إلى معنى الدعاء عليها باللعن ، فيرد [ ص: 328 ] ذلك الدعاء ممن كان منه عقوبة عليه ، فيمنع من الانتفاع بما لعنه ، ويكون ذلك ضررا عليه ، وأما ما لعنه بها فلا ضرر عليه في ذلك ، بل قد عاد محمولا عنه الاستعمال الذي كان يعمله قبل ذلك ، واللعن للإنسان لعن لمن هو متعبد ، ولمن قد يكون منه الأخلاق المذمومة التي يكون بها ملعونا ، فيكون من لعنه غير معنف في لعنه إياه ; لأن الله عز وجل قد لعن الظالمين ، وقال في كتابه : أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته في الصلاة من لعن ، فقال : اللهم العن لحيان ، ورعلا ، وذكوان ، وعصية عصت الله ورسوله . فكان ذلك سببا لفنائهم ، حتى لم يبق منهم أحد ، وإن كان الملعون بخلاف ذلك ; لأن لاعنه ممن قد سبه بأكثر ما يسب به أحد ، فاستحق بذلك العقوبة على سبه إياه ، فجعل الله عز وجل عقوبته على ذلك عود اللعنة إليه ، وسلوكها فيه حتى يكون في المعنى الذي أراد من الذي لعنه أن يكون به بلعنه إياه ، ونعوذ بالله من ذلك ، ونسأله التوفيق .