[ ص: 452 ] 77 - باب بيان مشكل ما روي عن عائشة وأم سلمة زوجي النبي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أحل له النساء
521 - حدثنا عبد الغني بن أبي عقيل اللخمي ، حدثنا ، عن ابن عيينة ، عن عمرو ، عن عطاء قالت : { عائشة ما مات النبي عليه السلام حتى أحل له النساء } .
522 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا ، حدثنا إسماعيل بن بكار ، حدثنا وهيب بن خالد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير قالت : عائشة ما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له من النساء ما شاء .
523 - وأجاز لي هارون بن محمد العسقلاني أبو يزيد ما ذكر لي أنه [ ص: 453 ] سمعه من العلاء ، وقال : حدثنا ، عن أبو عاصم ، عن ابن جريج ، عن عطاء قالت : عائشة ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له أن ينكح من النساء ما شاء .
قال : قلت : من أخبرك هذا ؟ قال : حسبت أني سمعته من قال : وقال عبيد بن عمير أبو الزبير : سمعت رجلا يخبر به عطاء .
524 - حدثنا جعفر بن سليمان بن محمد النوفلي الهاشمي أبو القاسم ، حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن المنذر عمر بن أبي بكر الموصلي ، حدثني ، عن المغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عبد الله بن وهب بن زمعة ، عن زوج النبي عليه السلام أنها قالت : أم سلمة ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحل له أن يتزوج من النساء ما شاء ، إلا ذات محرم ، وذلك قول الله تعالى : .
ففيما رويناه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أحل له النساء . وأم سلمة
[ ص: 454 ] فتأملنا من النساء اللاتي كن محرمات عليه حتى أحلهن الله له على ما في هذين الحديثين ، وما روي عن المتقدمين في ذلك .
فوجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن داود ، وهو ابن أبي هند محمد بن أبي موسى ، عن زياد بن عبد الله قال : عن هذه الآيات أبي بن كعب لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن ، قال : قلت له : أكان له أن يتزوج غيرهن ؟ قال : نعم ، وما بأس بذلك يقول الله تعالى : يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي آتيت أجورهن ، حتى بلغ لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ، قال : لا يحل لك ما دون ذلك من النساء الأمهات والأخوات والبنات قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم قال : النساء الأربع ، قال : فكان هذا محالا ؛ لأن فيه أن النساء اللاتي كن حرمن عليه هن الأمهات والأخوات والبنات .
وفي حديث سألت عائشة اللذين روينا أنه عليه السلام لم يمت حتى أحل له النساء ، فعقلنا بذلك أنهن غير هؤلاء . وأم سلمة
وحدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا ، حدثنا الفريابي ، عن [ ص: 455 ] ورقاء ، عن ابن أبي نجيح مجاهد لا تحل لك النساء من بعد قال : لا نصرانية ، ولا يهودية ، ولا كافرة ، ولا يبدل بالمسلمات غيرهن من النصارى واليهود والمشركين ولو أعجبك حسنهن إلا ما ملكت يمينك . في قول الله تعالى :
وقد حدثنا ، حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح : مجاهد لا تحل لك النساء من بعد قال : نساء أهل الكتاب .
وهذا أيضا عندنا محال ؛ لأن ذلك لو كان مما قد أحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لعاد به من يتزوجه من اليهوديات والنصرانيات للمسلمين أمهات لقول الله تعالى : النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم .
ووجدنا ابن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا ، حدثنا حجاج بن منهال ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد الحسن لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج الآية ، قال : قصره الله على نسائه التسع التي مات عنهن . قال علي : فأخبرت بذلك فقال : بلى ، قد كان له أن يتزوج غيرهن علي بن الحسين . في قوله :
ووجدنا جعفر بن سليمان الهاشمي النوفلي ، قد حدثنا قال : حدثنا ، حدثني إبراهيم بن المنذر عمر بن أبي بكر الموصلي ، حدثنا ، عن عبد الله بن جعفر ابن أبي عون ، وهو عبد الواحد ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام لا تحل لك [ ص: 456 ] النساء من بعد . قال : حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم على نسائه ، فلا يتزوج بعدهن ، وحبسن عليه . في قوله :
حدثنا سليمان بن شعيب ، حدثنا الخصيب بن ناصح ، حدثنا سليمان بن أبي سليمان ، عن ، عن مطر الوراق ، الحسن قالا : { وابن سيرين لا تحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج " } فكان هذا محتملا غير أنه يدخله ما سنذكره إن شاء الله في بقية هذا الباب . إنما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه بين الدنيا والآخرة ، فاخترن الله والدار الآخرة ، فشكر الله لهن ذلك ، فحبسه عليهن ، فقال :
ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا ابن مرزوق ، حدثنا حبان بن هلال أبو حبيب المقرئ أبو معاوية ، عن ، عن مغيرة أبي رزين وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك قال : لا تحل لك النساء بعد هذه الصفة ، يعني النبي عليه السلام . في قوله تعالى :
وكان هذا عندنا محالا ؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن في نسائه من يخرج عن هذه الصفة ، وقد كان فيهن من يخرج عنها ، وهي ، زينب بنت جحش بن رئاب ، وجويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار ، وميمونة ابنة الحارث وصفية ابنة حيي بن أخطب ، وكل هؤلاء فليس ممن يدخل في تلك [ ص: 457 ] الصفة ؛ لأن زينب وجويرية وميمونة عربيات غير قرشيات ، وليس لهن منه عليه السلام أرحام من قبل أمهاته ، ولأن صفية ليست من قريش ، ولا من العرب ، وإنما هي من أهل الكتاب ، ولما استحالت هذه الأقوال التي ذكرنا استحالتها لم يبق بعدها مما قيل في تأويل هذه الآية إلا ما قد رويناه فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ، وعن الحسن ، وابن سيرين في أنها على أن لا يتزوج سوى نسائه التسع .
فقال قائل : وكيف يكون ذلك كذلك ، وإنما كان الله قصره عليهن شكرا منه لهن على اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة ، فكيف يجوز أن ينزع ذلك منهن .
فكان جوابنا له في ذلك أنه قد يحتمل أن يكون الله كان قد جعل ذلك لهن شكرا على ما كان منهن مما ذكر من اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة على الدنيا ، ثم أباح لنبيه بعد ذلك تزويج غيرهن ، فلم يشأ ذلك ، وحبس نفسه عليهن شاكرا لهن ما كان منهن من اختيارهن الله تعالى وإياه والدار الآخرة على الدنيا ، ليشكر الله ذلك له ، فيكون عليه مشكورا منه ، ويكون نساؤه اللاتي كن قصر عليهن ، ومنع من سواهن رضوان الله عليهن باقيات فيما كن عليه من حبس الله تعالى إياه عليهن ، بأن عاد ذلك من النبي عليه السلام اختيارا بعد أن كان قبل ذلك عليه واجبا ، فهذا أحسن ما وجدناه في تأويل هذين الحديثين . والله نسأله التوفيق .