[ ص: 189 ] 34 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام فيما كان من بعثه محمد بن مسلمة لقتله كعب بن الأشرف ، بما يدفع التضاد عن ما توهم بعض الناس أنه قد ضاد ما فيه
200 - حدثنا ، حدثنا يونس ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو قال : قال رسول الله عليه السلام { جابر لكعب فإنه قد آذى الله ورسوله ، فقام محمد بن مسلمة فقال : يا رسول الله ، أتحب أن أقتله ؟ قال : نعم ، قال : فأذن لي أن أقول شيئا ، [ قال : قل ] . قال : [ ص: 190 ] فأتاه فقال : إن هذا الرجل قد سألنا الصدقة ، وقد عنانا ، و [ إني قد أتيتك أستسلفك قال : وأيضا والله لتملنه . قال : إنا ] قد اتبعناه ، ونحن نكره أن ندعه حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره . قال : أي شيء ترهنونني ؟ قالوا : وما تريد منا ؟ قال : ترهنونني نساءكم . قالوا : أنت أجمل العرب ، كيف نرهنك نساءنا ؟ فأبوا فأبى . قالوا : يكون ذلك عارا علينا . قال : ترهنونني أولادكم ، قالوا : يا سبحان الله ، يسب ابن أحدنا فيقال : رهنت بوسق أو وسقين ، قالوا : نرهنك اللأمة . قال : تريدون السلاح ، فواعده أن يأتيه فجاءه ليلا فلما أتاه ناداه فخرج إليه ، وهو متطيب ، فلما أن جلس إليه ، وقد كان جاء معه بنفر ثلاثة أو أربعة ، وريح الطيب ينضح منه فذكروا له قال : عندي فلانة ، وهي من أعطر نساء الناس . قال : تأذن لي فأشم . قال : نعم . فوضع يده في رأسه فشمه . قال : أعود ؟ قال : نعم . قال : فلما استمكن من رأسه قال : دونكم ، فضربوه حتى قتلوه من } .
حدثنا ، حدثنا بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، حدثني ابن وهب ، عن سفيان بن عيينة عمر بن سعيد أخي سفيان الثوري ، عن أبيه ، عن عباية . قال : كعب بن الأشرف عند معاوية فقال ابن يامين : كان قتله غدرا . فقال : يا محمد بن مسلمة معاوية ، أيغدر [ ص: 191 ] عندك رسول الله عليه السلام ولا تنكر ، والله لا يظلني وإياك سقف بيت أبدا ، ولا يحلو لي دم هذا إلا قتلته ، فتوهم متوهم أن فيما روينا مما كان من ذكر قتل محمد بن مسلمة وأصحابه ، قد دخلوا به في خلاف ما روي عن رسول الله عليه السلام .
201 - مما قد حدثناه ، حدثنا علي بن معبد بن نوح ، حدثنا يونس بن محمد المؤدب ، عن حماد ، وهو ابن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير رفاعة بن شداد قال : المختار ، فلما تبينت لي كذابته ، هممت والله أن أسل سيفي فأضرب به عنقه ، حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق قال : سمعت النبي عليه السلام يقول : { من آمن رجلا على نفسه فقتله ، أعطي لواء غدر يوم القيامة } كنت أقوم على رأس .
[ ص: 192 ]
202 - ومما قد حدثنا أيوب بن نصر العصفري ، قال : حدثنا ، حدثنا أحمد ، أخبرنا يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الملك بن عمير رفاعة بن شداد قال : المختار ، فلما سمعت كذابته هممت أن أخترط سيفي فأضرب به عنقه ، حتى ذكرت حديثا حدثنيه عمرو بن الحمق : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من أمن رجلا على نفسه فقتله أعطي لواء غدر يوم القيامة } كنت أقوم على رأس .
فاختلف علي وأيوب في الحرف الذي ذكرنا اختلافهما فيه ، وهو آمن وأمن ، وقال أيوب : أمن ، وهو الصحيح .
203 - ومما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود محمد بن الصلت ، حدثني ، عن عيسى بن يونس نصير بن أبي نصير ، عن ، عن السدي رفاعة الفتياني ، قال : { وفتيان من أبو جعفر بجيلة . قال : المختار فإذا وسادتان مطروحتان فقال : يا جارية ، هلمي لفلان وسادة ، فقلت : ما بال هاتين . فقال : قام عن إحداهما جبريل ، وعن الأخرى ميكائيل } ، وما منعني أن أقتله إلا حديث حدثني عمرو بن الحمق قلت : وما حدثك ؟ قال : سمعت النبي عليه السلام يقول : { من ائتمنه رجل على دمه فقتله فأنا منه بريء ، وإن كان المقتول كافرا دخلت على } .
[ ص: 193 ] وقد حقق ما في هذا الحديث من رواية : من ائتمنه رجل ، صحة ما روى ابن أبي داود أيوب في الحديث الأول مما خالفنا فيه علي .
وكان ما توهمه هذا المتوهم جهلا بلغة العرب وسعتها ، إذ كان قول رسول الله عليه السلام في حديث عمرو بن الحمق هو على من كان آمنا ، إما بالإسلام ، وإما بذمة ، وإما بأمان بإعطاء من المسلمين إياه ذلك الأمان حتى صار به آمنا على نفسه ، وحتى صار به دمه في حاله تلك حراما على أهل الملة وأهل الذمة جميعا .
فكان معنى قوله فيه : من ائتمن ، أي : ممن هذه صفته رجلا على نفسه فقتله ، أعطي لواء غدر يوم القيامة .
وكان ما في حديث جابر في قصة محمد بن مسلمة وأصحابه في كعب بن الأشرف ، وفي ائتمانه محمد بن مسلمة على نفسه إنما بأمن كافر لا يحل أمانه لملي ولا لذمي ، ولا يكون لملي ولا لذمي إعطاؤه ذلك ، وذلك لما كان عليه من الأذى لله تعالى ولرسوله ، ولو أن رجلا من أهل الملة أمنه لما أمن بذلك ، ولا حرم به دمه ، فدل ذلك أن ما كان من ائتمان كعب محمد بن مسلمة على نفسه كان كلا ائتمان ، وأنه كان بعده في حل دمه ، كهو كان في ذلك من قبل [ ص: 194 ] ما كان منه من ائتمانه محمد بن مسلمة على ما ائتمنه عليه من نفسه ، فعادت أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه إلى انتفاء التضاد عنها ، وانصرف كل صنف منها إلى خلاف الصنف الذي انصرف إليه غيره منها .