[ ص: 432 ] 709 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الزيادة فيما لا تجوز الزيادة فيه ، بل ترجع إلى زائدها ، أو تكون هبة منه للذي زادها إياه
4538 - حدثنا صالح بن شعيب بن أبان البصري أبو شعيب ، أخبرنا الحسين بن مهدي الأبلي ، أخبرنا ، أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري ، عن عروة رضي الله عنها عائشة أبا جهم بن حذيفة مصدقا ، فلاحاه رجل في صدقته ، فأخذه فضربه ، فشجه أبو جهم ، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : القود يا رسول الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لكم كذا وكذا " ، فلم يرضوا ، فقال : " لكم كذا وكذا " ، فرضوا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني خاطب العشية على الناس ومخبرهم برضاكم ، [ فقالوا : نعم ، فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إن هؤلاء الليثيين أتوني يريدون القود ، فعرضت عليهم كذا وكذا فرضوا " ] قال : " أرضيتم ؟ " قالوا : لا ، قال : فهم بهم المهاجرون ، فأمرهم النبي عليه السلام أن يكفوا عنهم ، ثم دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فزادهم ، فقال : " أرضيتم ؟ " قالوا : نعم ، قال : " فإني خاطب على الناس ومخبرهم برضاكم " ، قالوا : نعم ، فخطب [ ص: 433 ] الناس فقال : " أرضيتم ؟ " قالوا : نعم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث .
ففي هذا الحديث معنى لطيف من الفقه يجب أن يوقف عليه ، ويوقف به على أن الزيادة في هذا المعنى بخلاف الزيادة في المعنيين اللذين ذكرناهما في الباب الذي قبل هذا الباب ، وذلك أن الزيادة في المعنيين اللذين ذكرناهما في الباب الذي قبل هذا الباب زيادة في بيع قد يجوز أن يتناقضه متعاقداه ، ثم يتعاقدانه من ذي قبل ، وتزويج قد يجوز أن يتناقضاه ، أو يتعاقدانه من ذي قبل بما يتعاقدانه ، فجازت في ذلك الزيادة ، وكان الصلح عن أبي جهم بن حذيفة مما لا يجوز أن يتناقضه رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين صالحهم به عنه ، لأن رجلا لو شج رجلا شجة ، أو جنى عليه جناية ، فصالحه منها على شيء أو صولح عنه منها على شيء ، ثم أراد متعاقدا ذلك الصلح أن يتناقضاه بينهما أنهما لا يقدران على ذلك ، وأنهما إن نقضاه لم ينتقض ، وما هذه [ ص: 434 ] سبيله ، فالزيادة فيه غير لاحقة بأصله ومختلف فيها ، فطائفة من أهل العلم تقول : إنها باطلة ، وإنها راجعة إلى الذي زادها ، وممن كان يقول ذلك منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ، وطائفة منهم تقول : إنها هبة من الذي زادها للذي زادها إياه ، فإن سلمها إليه جازت له ، وإن منعه منها لم يجبر على تسليمها إليه ، وهذا معنى قد ذكر عبد الرحمن بن قاسم ما يدل في جواباته اشتهاره عن مذهب مالك فيه ، وهو قول زفر فيه ، وقد مال إليه محمد بن الحسن في بعض مسائله التي تدخل في هذا الباب ، ونحن نعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدفع إلى أولئك القوم ما لا يحل لهم أخذه ، وأنه لا يدفع إلى أحد إلا ما يكون طيبا له ، لأن من شريعته في مثل هذا تحريم أكل الربا وتحريم إطعامه ، وفي إباحته إياهم ذلك دليل على طيبه لهم ، وأن ذلك قد صار إليهم هبة منه لهم ، كما قال ذلك من قاله ممن ذكرناه عنه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو الحجة على الناس جميعا ، وبالله التوفيق .