[ ص: 27 ] 153 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اسم الصلاة التالية لصلاة المغرب من الصلوات الخمس
992 - حدثنا بكار بن قتيبة قالا : حدثنا وإبراهيم بن مرزوق قال : حدثنا أبو عامر ، عن سفيان عبد الله بن أبي لبيد ، عن ، عن أبي سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ابن عمر لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ، إنما هي العشاء ، ولكنهم يعتمون عن إبلهم .
قال : ففي هذا الحديث إخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن اسم تلك الصلاة العشاء لا العتمة ، وأن الذين يسمونها العتمة هم الأعراب . ثم وجدنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسميته إياها العتمة . أبو جعفر
993 - كما حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا قال : حدثنا علي بن عياش الحمصي قال : حدثني حريز بن عثمان ، عن راشد بن سعد عاصم بن حميد السكوني صاحب معاذ بن جبل ، عن قال : معاذ بن جبل بقينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العتمة [ ص: 28 ] ليلة ، فتأخر بها حتى ظن الظان أنه قد صلى أو ليس بخارج ، ثم إنه خرج فقال له قائل : لقد ظننا أنك صليت ، أو لست بخارج . فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتموا بهذه الصلاة ؛ فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ، لم تصلها أمة قبلكم .
فقال قائل : ففي هذا الحديث تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها العتمة .
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أنه ليس في هذا الحديث تسمية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها العتمة ، وإنما الذي فيه أمره إياهم بالعتام بها أي بالتأخر بها ، وإن كان اسمها هو العشاء لا العتمة . كما تقول : أمسيت بصلاة العصر ، لا لأن المساء اسم لها ، ولكن إخبار منك أنك أمسيت بها ، واسمها غير مشتق من المساء بها .
وقال قائل أيضا : قد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غير هذا الحديث مما حقق فيه اسمها أنه العتمة .
994 - كما حدثنا قال : حدثنا يونس أن ابن وهب حدثه [ ص: 29 ] عن مالكا ، عن سمي مولى أبي بكر ، عن أبي صالح السمان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أبي هريرة لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه ، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا .
فكان جوابنا أيضا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن هذا الحديث قد رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قد ذكر ، وقد رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بخلاف ذلك . عبد الله بن مسعود
[ ص: 30 ]
995 - كما حدثنا قال : حدثنا علي بن عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة الكوفي سعيد بن عمرو الأشعثي قال : حدثنا ، عن عبثر بن القاسم أبو زبيد ، عن الأعمش ، عن أبي إسحاق أبي الأحوص ، عن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عبد الله ما صلاة أثقل على المنافقين من صلاة العشاء وصلاة الفجر ، ولو يعلمون ما فيهما من الفضل لأتوهما ولو حبوا .
فهذا قد نقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اسم هذه الصلاة أنه العشاء مكان ما نقل عبد الله بن مسعود عنه في اسمها أنه العتمة . أبو هريرة
وتصحيح هذين الحديثين أن الأمر الذي كانت العرب تعرفه في اسم هذه الصلاة أنه العتمة لا العشاء ، وكان السبب في تسميتها إياها ذلك الاسم ما قد ذكر في حديث أبي سلمة عن الذي ذكرناه في أول هذا الباب ، حتى أنزل الله عز وجل على رسوله ابن عمر يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم . فصاروا إلى اسمها الذي سماها الله عز وجل به في هذه الآية .
وقال رسول الله [ ص: 31 ] - صلى الله عليه وسلم - ما قاله في حديث الذي رويناه . وعقلنا بذلك أن الذي حكاه ابن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اسمها الذي ذكرها به في حديث ابن مسعود وهو العتمة ، والله أعلم . أبي هريرة
فقال قائل : فما معنى هذا الاسم ؟ يعني العشاء .
فكان جوابنا له في ذلك - والله أعلم - أن ذلك أخذ من الظلمة التي تعشي الأبصار ، ورد اسم هذه الصلاة إلى مثل أسماء الصلوات الخمس سواها ؛ لأن الصبح سميت بالصبح ؛ لأنها تصلى عند الإصباح ، وسميت صلاة الفجر صلاة الفجر ؛ لأنها تصلى بقرب الفجر ، وسميت صلاة الظهر صلاة الظهر ؛ لأنها تصلى عند الظهيرة ، وسميت صلاة العصر صلاة العصر ؛ لأنها تصلى بعد الإعصار وهو التأخر .
وكذلك روي عن أبي قلابة .
كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن الأنصاري قال : حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور قال : أخبرنا هشيم ، عن خالد : أبي قلابة . إنما سميت العصر لتعصر
قال : ومنه قول العرب : عصرني فلان حقي - إذا أخره عن وقت أدائه إليه ، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو جعفر لفضالة الليثي .
[ ص: 32 ]
996 - كما حدثنا قال : حدثنا يزيد بن سنان الحسن بن علي يعني الواسطي قال : حدثنا . خالد بن عبد الله
وكما حدثنا فهد بن سليمان قال : حدثنا قال : حدثنا عمرو بن عون الواسطي . خالد
ثم اجتمعا فقال كل واحد منهما : عن ، عن داود بن أبي هند أبي حرب بن أبي الأسود ، عن عبد الله بن فضالة ، عن أبيه قال : قلت : يا رسول الله ، علمني شيئا مما ينفعني الله به ! قال : حافظ على الصلوات الخمس . قال : قلت : يا رسول الله ، إن هذه ساعات لي فيهن شغل ، فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني ! قال : فحافظ على العصرين . قلت : وما العصران ؟ وما كانت من لغتنا . قال : صلاة قبل غروب الشمس ، وصلاة قبل طلوع الشمس .
[ ص: 33 ]
997 - كما حدثنا صالح بن عبد الرحمن قال : حدثنا قال : حدثنا سعيد بن منصور ، عن هشيم قال : حدثني داود بن أبي هند أبو حرب بن أبي الأسود ، عن فضالة الليثي .
هكذا قال ، ثم ذكر هذا الحديث ، ولم يذكر فيه قوله : وما كانت من لغتنا .
قال : ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي روي عنه في هذا المعنى أيضا . أبو جعفر
998 - وهو ما حدثنا قال : حدثنا ابن أبي داود قال : وحدثنا هدبة بن خالد قال : حدثنا همام ، عن أبو جمرة الضبعي أبي بكر ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أبيه من صلى العصرين دخل الجنة .
[ ص: 34 ] وسميت صلاة المغرب صلاة المغرب ؛ لأنها تصلى بعقب غروب الشمس ، فمثل ذلك أيضا الصلاة التي تتلوها سميت صلاة العشاء ؛ لأنها تصلى بعد أن تعشى الأبصار بالظلام الطارئ عليها .
فائتلفت أسماء الصلوات الخمس أنها لأوقاتها التي تصلى فيها ، وبان بحمد الله ونعمته ألا تضاد في شيء مما رويناه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء من أسمائها ، والله نسأله التوفيق .