[ ص: 176 ] 434 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أتبع على مليء فليتبع .
2752 - حدثنا ، قال : أنبأنا يونس بن عبد الأعلى أن عبد الله بن وهب حدثه ، عن مالكا ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أبي هريرة مطل الغني ظلم ، ومن أتبع على مليء فليتبع .
[ ص: 177 ]
2753 - وحدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : أنبأنا عبيد الله بن موسى ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبي هريرة من أتبع على مليء فليتبع .
[ ص: 178 ]
2754 - حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان الحسن بن علي الواسطي ، قال : حدثنا ، عن هشيم بن بشير ، عن يونس ، عن نافع رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ابن عمر مطل الغني ظلم ، وإن أحلت على مليء فاتبع .
2755 - وحدثنا ، قال : حدثنا أبو أمية ، قال : حدثنا معلى بن منصور ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا يونس بن عبيد ، عن نافع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ابن عمر إذا أحلت على مليء فاتبعه .
فتأملنا ما روي في هذا الباب من حديث الذي بدأنا بذكره فيه ، فوجدنا الذي فيه : من أتبع على مليء فليتبع ، فأشكل علينا المراد بذلك الإتباع ما هو ، فأوضحه لنا ما في حديث أبي هريرة الذي ثنينا بذكرنا إياه في هذا الباب : إذا أحلت على مليء فاتبعه . ابن عمر
فعقلنا بذلك أنه إنما أراد بذلك الإتباع الإحالة بما له من الدين على من [ ص: 179 ] يحال به عليه من الأغنياء ، غير أنا وجدنا قد تكلم في حديث يحيى بن معين هذا ، وذكر أن يونس بن عبيد لم يسمع من ابن عمر نافع .
كما حدثنا قال : قال لي ابن أبي داود في حديث يحيى بن معين يونس بن عبيد عن نافع عن رضي الله عنهما : مطل الغني ظلم ، قال يحيى : قد سمعته عن ابن عمر هشيم ، ولم يسمعه يونس من نافع ، قال لنا : قلت ابن أبي داود ليحيى : لم يسمع يونس من نافع شيئا ؟ قال : بلى ، ولكن هذا الحديث خاصة لم يسمعه يونس من نافع .
قال : فتأملنا ما قاله يحيى في ذلك فوجدناه جوابا لما سأله عنه من : مطل الغني ظلم ، فأجابه ابن أبي داود يحيى عنه بما أجابه عنه فيه ، ثم وجدنا في حديث معلى وهو النهاية في الثبت ، عن هشيم في هذا الحديث قال : أنبأنا يونس بن عبيد ، قال : حدثنا نافع ، عن رضي الله عنهما كما قد ذكرناه عن ابن عمر أبي أمية في هذا الباب .
فعقلنا بذلك أن الذي أراده يحيى مما نفى سماع يونس إياه من نافع هو : مطل الغني ظلم ، لا ما فيه سوى ذلك من قوله : إذا أحلت على مليء فاتبعه ، والله أعلم بحقيقة الأمر في ذلك .
ثم طلبنا ما في هذا الحديث من الفقه فوجدنا أهل العلم جميعا يذهبون في الحوالة إلى أنها تحويل ما كان للمحتال على المحيل إلى المحتال عليه ، لا يختلفون في ذلك ، غير زفر والقاسم بن معن فإنهما كانا يقولان : إن الحوالة كالكفالة وكالضمان وكالحمالة ، وأن [ ص: 180 ] للمحتال أن يطالب كل واحد من محيله ومن المحتال عليه بما له ، وكان في قول النبي صلى الله عليه وسلم : من أحيل على مليء فليتبع ، ما قد دفع ذلك إليه ؛ ولأنه موجود في اللغة من قول الناس : لي على فلان كذا ، وفلان كفيل لي به ، أو ضمين لي به ، أو حميل لي به ، فيكون في ذلك ذكره أن الشيء الذي له على الذي كان له عليه أصله ، كما كان له عليه قبل الضمان ، وقبل الحمالة ، وقبل الكفالة ، ولم نجدهم يقولون : لي على فلان كذا ، وفلان حويل لي به ، ولا لي على فلان كذا ، فأحالني به على فلان ، إنما يقولون : كان لي على فلان كذا ، فأحالني به على فلان ، فدل ذلك أن الحوالة معها تحويل المال عن من كان عليه إلى من أحال به عليه ، وأن الكفالة والحمالة والضمان بخلاف ذلك .
ثم وجدنا أهل العلم يختلفون في هذه الحوالة بم تكون ؟ فطائفة منهم تقول : هي بالحوالة على من يحال عليه كان عليه مثل ذلك المال أو لم يكن ، وممن قال ذلك : وأصحابه أبو حنيفة والشافعي ، وطائفة منهم تقول : لا تكون الحوالة إلا بدين مثلها للمحيل على المحتال عليه ، وممن قال : ذلك ، ولم نجد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم تفريقا بين حوالة بمال للمحيل على المحتال عليه مثله ، وبين حوالة لا شيء معها للمحيل على المحتال عليه ، فلم يجز أن نفرق بين ما قد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بينه إلا بتفريق منه صلى الله عليه وسلم بين ذلك . مالك بن أنس
ثم وجدناهم يختلفون في الحوالة على من لا يعلم المحتال بفقره ، وقد أحيل عليه على أنه مليء ، فتقول طائفة منهم : له أن يرجع بماله [ ص: 181 ] على المحيل وتبطل الحوالة منهم مالك وتقول الطائفة الأخرى منهم : ليس له أن ينقض الحوالة ، والحوالة كما هي ، وممن قال بذلك ، غير أن أبو حنيفة أبا يوسف ومحمدا قد قالا : إذا قضى القاضي بتفليسه ، عاد المحتال بالمال على المحيل ؛ فكان ما قاله مالك رحمه الله في ذلك أحسن مما قاله أبو حنيفة والشافعي رحمهما الله فيه ، وكان ما قاله أبو يوسف ومحمد في ذلك قريبا مما قاله مالك فيه .
ثم وجدناهم يختلفون في توى المال على المحتال عليه بموته معدما ، فتقول طائفة منهم : يرجع المحتال بما له على المحيل ، وممن قال بذلك - رحمه الله - وأصحابه ، وتقول طائفة منهم : لا يرجع المحتال على المحيل ، والتوى من ماله قط ، وممن يقول ذلك أبو حنيفة مالك والشافعي رحمهما الله .
فتأملنا ذلك لنعلم ما القول فيه ، فوجدنا الحوالة فيها تعويض المحتال من ذمة المحيل ذمة المحتال عليه ، فصار ذلك في معنى بيع ذمة بذمة ، وكان مثل ذلك تعويض الذي عليه المال من ماله الذي له عليه عبدا يبيعه إياه به ، فيكون ماله قد تحول من ذمة الذي كان عليه إلى العبد المبيع به فصار فيه .
ثم وجدنا العبد يموت بعد ذلك فيكون موته من مال بائعه ، ويرجع المال الذي كان له على الذي كان عليه ، فكان مثل ذلك توى ذمة المحتال عليه ، يرجع بذلك المال الذي كان فيها إلى الذمة التي أعطيت عوضا بها .
فإن قال قائل : فإن مذهب مالك رحمه الله في العبد المبيع إذا مات في يد بائعه أن يموت من مال مبتاعه ، وإن لم يقبضه .
[ ص: 182 ] قيل له : فمن قوله في الطعام المبيع كيلا إذا توى في يد بائعه أنه يتوى من ماله لا من مال مبتاعه ، ولا فرق في القياس بين هذا وبين ما قبله ، وفيما ذكرنا دليل على ما وصفنا ، والله عز وجل نسأله التوفيق .