[ ص: 87 ] 89 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام في صفوف الناس وراءه للصلاة ، وفي قيامه منهم مقام المصلي بهم ، وذكره بعد ذلك أنه كان جنبا وإشارته إليهم أي كما أنتم حتى أتاهم قد اغتسل ورأسه يقطر ماء ، هل كان ذلك منه بعد أن كان كبر للصلاة أو قبل تكبيره كان لها ؟
623 - حدثنا ، حدثنا بكار حبان بن هلال وأبو عمر الضرير ، قالا : حدثنا - واللفظ حماد بن سلمة لأبي عمر - عن زياد الأعلم ، عن ، عن الحسن : أبي بكرة أن النبي عليه السلام دخل في صلاة الصبح ، فأومأ إليهم أي مكانكم ، ثم جاء ورأسه يقطر ماء فصلى بهم .
[ ص: 88 ]
624 - حدثنا ، حدثنا ابن أبي داود ، حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري ، عن أبي - عن سعيد - يعني : ابن أبي عروبة ، عن قتادة قال : أنس دخل النبي عليه السلام في صلاة فكبر وكبرنا معه ، ثم أشار إلى القوم : أن كما أنتم ، فلم نزل قياما حتى أتانا وقد اغتسل ، ورأسه يقطر ماء .
فقال قائل : هذا حديث خارج عن أقوال العلماء جميعا ؛ لأنه لا اختلاف بينهم فيمن كبر للصلاة وهو جنب غير ذاكر لذلك أنه لا يكون بتكبيره لها داخلا فيها .
فكان جوابنا له في ذلك : أن هذين الحديثين قد رويا كما ذكرنا ، عن الصحابيين اللذين رويا عنهما ، وقد روي عن سواهما من الصحابة أن الذي كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أذن هو قيامه قيام المصلي ، لا دخول منه في الصلاة بتكبيره .
625 - كما حدثنا سليمان بن شعيب ، حدثنا ، حدثني بشر بن بكر ، حدثني الأوزاعي ، حدثني الزهري ، [ ص: 89 ] حدثني أبو سلمة قال : أبو هريرة أقيمت الصلاة وصف الناس صفوفهم ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام مقامه ، ثم ذكر أنه لم يغتسل ، فقال : مكانكم ، فانصرف إلى منزله فاغتسل ، ثم خرج حتى قام مقامه ورأسه يقطر ماء .
626 - وكما حدثنا محمد بن سنان الشيزري ، حدثنا عبد الوهاب بن نجدة الحوطي ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن وأبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج ، حدثني الأوزاعي ، حدثني الزهري ، حدثني أبو سلمة ... ثم ذكر مثله . أبو هريرة
627 - وكما حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، حدثنا وهب بن جرير قال : سمعت أبي النعمان بن راشد يحدث عن ، عن الزهري ، عن أبي سلمة قال : أبي هريرة أقيمت الصلاة وصف الناس ، قال : وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما كان في مصلاه ذكر أنه لم يغتسل ، فقال : على مكانكم ، ثم رجع فاغتسل وخرج ورأسه ينطف .
628 - وكما حدثنا أيضا ، حدثنا إبراهيم ، أخبرنا عثمان بن عمر بن [ ص: 90 ] فارس بن لقيط ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ... ثم ذكر مثله . أبي هريرة
فكان في هذا ما قد دل على أنه لم يكن دخل في الصلاة ، أو على علمه أنه لم يكن دخل في الصلاة ؛ لقوله لهم : مكانكم ، مع أن هذا - وإن كان اختلافا - فإنه ليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو من حكايات أصحابه عن أفعاله ، والاختلاف من حكاياتهم لا منه ، ونحن نجيب عنهم بما يستوي فيه حكاياتهم ، وتعود إلى ما يعذرون به فيها ، وهي أنا نقول : إن معنى قول أنس وأبي بكرة في حديثهما : ثم دخل في الصلاة على معنى : قرب دخوله فيها ، لا على حقيقة دخوله فيها ، فهذا جائز في اللغة ، حتى قد جاء كتاب الله تعالى بمثل ذلك ، قال الله تعالى : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن وهن إذا بلغن أجلهن انقطعت الأسباب بينهن وبين مطلقيهن ، فاستحال أن يمسكوهن بعد ذلك ، وقد بين الله تعالى ذلك في الآية الأخرى ، وهي قوله : وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن فدل ذلك أنهن بعد انقضاء آجالهن حلال لمن يريد تزويجهن ، وكان ذلك دليلا أن مراده تعالى في الآية الأخرى بذكره بلوغ الأجل أنه قرب بلوغ الأجل لا حقيقة بلوغه ، ومن ذلك أيضا أن المسلمين قد سموا ابن إبراهيم الذي [ ص: 91 ] أمره الله تعالى بذبحه إما إسماعيل وإما إسحاق عليهم السلام ذبيحا ، ولم يذبح ، ولكنه لقربه كان من أن يذبح ، فمثل ذلك ما في حديثي أنس ، وأبي بكرة من الدخول في الصلاة هو على هذا المعنى أيضا ، وهو قرب الدخول فيها لا حقيقة الدخول فيها .