[ ص: 13 ] 794 - باب بيان مشكل ما روي عن - رضي الله عنه - من احتجاجه فيما احتج به من صدقته عثمان بن عفان ببئر رومة ، ومن منعهم إياه من الشرب منها ، ومن زيادته في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما زاده فيه ، ومن منعهم إياه من الصلاة فيه
5018 - حدثنا ، قال : حدثنا يزيد بن سنان صالح بن حاتم بن وردان ، قال : حدثنا ، قال : سمعت المعتمر بن سليمان يحدث ، عن أبي ، عن أبي نضرة أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري ، قال : - رضي الله عنه - أن الوفد من عثمان أهل مصر قد أقبلوا ، فخرج يستقبلهم ، فذكر حديثه بطوله إلى أن بلغ إلى خروجه على الناس ، فقال : أنشدكم بالله ، أتعلمون أني اشتريت رومة من مالي بكذا وكذا ليستعذب بها ، فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين ؟ فقالوا : اللهم نعم . قال : فأنشدكم بالله - عز وجل - أتعلمون أن أحدا من الناس منع من الشرب منها غيري ، حتى ما أفطر إلا على ماء البحر ؟ قال : فسكتوا ، قال : ثم أشرف عليهم ذات يوم ، فقال : أنشدكم بالله - عز [ ص: 14 ] وجل - أتعلمون أني اشتريت من الأرض من مالي بكذا وكذا ، فزدتها في المسجد ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : فأنشدكم بالله - عز وجل - أتعلمون أن أحدا من الناس منع من الصلاة فيه غيري ؟ قال : فسكتوا . بلغ
5019 - وحدثنا ، قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عن سعيد بن عامر يحيى بن أبي الحجاج ، عن ، عن أبي مسعود الجريري ثمامة بن حزن القشيري ، قال : - رضي الله عنه - فقال : ائتوني بصاحبيكم هذين اللذين ألباكم علي . قال : فجيء بهما ، كأنهما جملان أو كأنهما حماران ، فأشرف عليهم عثمان عثمان ، فقال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمان أن رسول الله [ ص: 15 ] - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة ، وليس فيها ما يستعذب غير بئر رومة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يشتري بئر رومة ، ويكون دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة ، فاشتريتها من صلب مالي ؟ وأنتم اليوم تمنعوني أن أشرب منها حتى أشرب من ماء البحر ، قالوا : اللهم نعم . قال : أنشدكم بالله والإسلام ، هل تعلمون أن المسجد كان ضاق بأهله ، فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من يشتري بقعة آل فلان بخير له منها في الجنة ، فاشتريتها من مالي ، أو قال : من صلب مالي ، فزدتها في المسجد ؟ وأنتم تمنعوني أن أصلي فيها ركعتين . قالوا : اللهم نعم . قال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أني جهزت جيش العسرة من مالي ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : أنشدكم الله والإسلام ، هل تعلمون أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان على ثبير مكة هو وأبو بكر وعمر وأنا ، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض ، فركض برجله ، وقال : اسكن ثبير ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ؟ قالوا : اللهم نعم . قال : الله أكبر ، شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ، الله أكبر ، شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد ، قالها ثلاثا شهدت الدار وأشرف عليهم .
[ ص: 16 ] فقال قائل : ففي هذين الحديثين أن عثمان - رضي الله عنه - قد كان في أيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبأمره جعل رومة للمسلمين على أن رشاءه فيها كرشاء أحدهم ، وزاد في المسجد ما زاد على أن يكون في الصلاة فيه كأحدهم ، فكيف تقبلون هذا وقد رويتم عن - رضي الله عنه - في الصدقة التي كان تصدق بها في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم أراد أن يشتريها ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاه عن ذلك ، وقال له فيه : " عمر بن الخطاب لا تعد في صدقتك ، فإن العائد في صدقته كالعائد في قيئه " ؟ ورويتم في ذلك أيضا عن - رضي الله عنه - في دابة كان تصدق بها ، فولدت فلوا ، أنه منع من شرائه ؟ وذكر في ذلك آثارا ، سنذكرها فيما بعد من كتابنا هذا في موضع هو أولى بها من هذا الموضع - إن شاء الله - . الزبير بن العوام
قال : فكيف تقبلون ما رويتموه من حديثي عثمان اللذين رويتموهما ، وفيهما شربه من الماء الذي تصدق به ، وصلاته في المكان الذي زاده في مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - للصلاة فيه ، وذلك انتفاع منه بما قد كان تصدق به مما يمنع مما في حديث عمر - رضي الله عنه - وما في حديث الزبير اللذين رويتموهما - يعني اللذين ذكرناهما في هذا [ ص: 17 ] الباب - وفي ذلك تضاد شديد ؟
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله - جل وعز - وعونه : أنه لا تضاد في شيء من ذلك كما توهم ; لأن الذي في حديث عمر مما أراد ابتياعه ، هو الفرس الذي كان تصدق به ، فكان ذلك طلبا منه في عود ما تصدق به إلى ملكه ، فنهي عن ذلك ، وكذلك ما في حديث الزبير فيما نهي عنه من ابتياع شيء من نتاج ما قد تصدق به ، وفي حديث عمر مثل ذلك أيضا مما سنجيء به في ذلك الباب - إن شاء الله - فكان النهي عن ما قد نهي عنه عمر والزبير هو العود في نفس الصدقة حتى تعود مملوكة إلى المتصدق بها بعدما قد أزال ملكه عنها إلى الله - عز وجل - فلم يصلح ذلك له ، ومنع من ذلك ، وكان ما في حديثي عثمان ليس فيه رجوع شيء مما كان تصدق به ، فخرج من ملكه إلى الله - عز وجل - فرجع إلى ملكه بعد ذلك ، إنما فيه انتفاعه بذلك ، وما وقعت عليه صدقته ، فلله - عز وجل - على ما كان عليه ، غير راجع إلى ملكه .
وكان تصحيح كل واحد من هذين المعنيين ، على أن ما يرجع به ما وقعت عليه الصدقة ، أو شيء منه إلى ملك المتصدق بما وقعت عليه الصدقة حتى يعود ملكا له ، مكروه له ، ممنوع منه ، وأن ما كان من منافع ذلك كشرب مائه ، والمرور فيه ، والصلاة فيه ، غير ممنوع من ذلك ; لأنه لا يرجع ملكا للمتصدق بما تصدق به مما ذلك الجنس من منافعه ، ومما يدل على ذلك : أن الله قد حرم الصدقة على الأغنياء ، فلم يدخل في تحريمه لها شرب ماء الصدقة ، وأبيح ذلك للأغنياء ممن تصدق به ، وممن لم يتصدق به ; لأن ذلك لم يعد إلى [ ص: 18 ] ملكه ، إنما عاد إلى المنفعة به ، وهو لله - عز وجل - حينئذ ، لا لمن سواه من خلقه ممن يتصدق به ، ومن سواه ، فمثل ذلك ما كان مباحا لعثمان - رضي الله عنه - من صدقتيه اللتين ذكرنا ، فقد بان بحمد الله ونعمته أن لا تضاد في شيء من هذه الآثار ، ولا اختلاف وأن كل وجه منها يرجع إلى معنى غير المعنى الذي يرجع إليه سواه منها ، وأن المميزين بين ذلك ، هم الذين اختصهم الله - عز وجل - بعلم ذلك ، لا من سواهم ممن منعه ذلك ، والله - عز وجل - نسأله التوفيق .