[ ص: 444 ] 76 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده }
508 - حدثنا ، أخبرنا يونس ، عن أنس بن عياض الحارث بن أبي ذباب ، عن عمه ، عن : أن رسول الله عليه السلام قال : { أبي هريرة كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله إذا هلك } .
509 - حدثنا ، أخبرنا أحمد بن شعيب ، حدثنا قتيبة ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن ابن المسيب قال : قال رسول الله عليه السلام : { أبي هريرة كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله يهلك } .
[ ص: 445 ]
510 - حدثنا ، حدثنا ابن مرزوق ، عن أبو داود الطيالسي ، عن شعبة قال : سمعت يعلى بن عطاء أبا علقمة يحدث عن قال : قال رسول الله عليه السلام : { أبي هريرة كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده إذا هلك } .
511 - حدثنا ، حدثنا يونس ، حدثنا علي بن معبد ، عن عبيد الله بن عمرو ، عن عبد الملك بن عمير قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { جابر بن سمرة كسرى فلا كسرى بعده ، وإذا ذهب قيصر فلا قيصر بعده ، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله إذا ذهب } .
512 - حدثنا ابن خزيمة ، حدثنا ، حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، عن أبو عوانة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله . جابر بن سمرة
[ ص: 446 ] فتأملنا هذا الحديث لنقف على المعنى المراد به ما هو ، فوجدنا المزني قد حكى لنا عن في تأويله قال : كانت الشافعي قريش تنتاب الشام انتيابا كثيرا ، وكان كثر معاشهم منه ، وتأتي العراق ، فلما دخلت في الإسلام ذكرت ذلك للنبي عليه السلام خوفا من انقطاع معاشها بالتجارة من الشام والعراق ، وفارقت الكفرة ، ودخلت في الإسلام مع خلاف ملك الشام والعراق لأهل الإسلام ، فقال : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده } ، فلم يكن بأرض العراق كسرى يثبت له أمر بعده ، وقال : { إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } ، فلم يكن بأرض الشام قيصر بعده . فأجابهم النبي عليه السلام على ما قالوا ، فكان كما كان إلى اليوم ، وقطع الله الأكاسرة عن العراق وفارس وقيصر ومن قام بعده بالشام ، وقال في قيصر : ثبت ملكه ببلاد الروم ، وينحى ملكه عن الشام ، وكل هذا متفق يصدق بعضه بعضا .
قال : وسألت أبو جعفر أحمد بن أبي عمران عن تأويل هذا الحديث ، فأجابني بخلاف هذا القول ، وذكر أن معنى قوله عليه السلام : { إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده } قال : فهلك كسرى كما أعلمنا أنه سيهلك ، فلم يكن بعده كسرى ، ولا يكون بعده كسرى إلى يوم القيامة ، وكان معنى قوله : { إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده } إعلاما منه إياهم أنه سيهلك ولم يهلك إلى الآن ، ولكنه هالك قبل يوم القيامة ، وخولف بينه وبين كسرى في تعجيل هلاك كسرى ، وتأخير هلاك قيصر لاختلاف ما كان منهما عند ورود كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل واحد منهما .
قال لنا ابن أبي عمران : وروي في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 447 ]
513 - ما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن حمزة الزبيري ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان قال : أخبرني ابن شهاب : أن عبيد الله بن عبد الله أخبره : { ابن عباس قيصر يدعوه إلى الإسلام ، وبعث بكتابه - يعني مع دحية بن خليفة الكلبي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم بصرى - ليدفعه إلى قيصر ، فدفعه عظيم بصرى إلى قيصر ، فلما جاءه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه : التمسوا لي هاهنا من قومه من أحد أسأله عنه } .
قال : فأخبرني ابن عباس أنهم أدخلوا عليه ، وأنه لما قرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأل أبو سفيان أبا سفيان عما سأله عنه ، وأجابه أبو سفيان بما أجابه في ذلك قال : إن يكن ما قلت حقا فيوشك أن يملك موضع قدمي هاتين ، والله لو أني أرجو أن أخلص إليه لتجشمت لقاءه ، ولو كنت عنده لغسلت قدميه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى .
514 - وحدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا عبد العزيز الأويسي ، ثم ذكر هذا الحديث بإسناده . كما حدثناه إبراهيم بن سعد ابن أبي عمران ، عن ، عن إبراهيم بن حمزة سواء . إبراهيم بن سعد
فكان هذا هو الذي كان من قيصر عند ورود كتاب رسول الله [ ص: 448 ] صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الإسلام .
وكان الذي كان من كسرى عند ورود كتاب رسول الله عليه السلام بمثل ذلك :
515 - ما قد حدثنا ، حدثنا محمد بن علي بن داود البغدادي ، حدثنا سليمان بن داود الهاشمي ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، صالح بن كيسان ، كلاهما عن وابن أخي ابن شهاب ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله : { ابن عباس كسرى مع عبد الله بن حذافة السهمي ، وأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين ، فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى ، فلما قرأه خرقه } .
قال : فحسبت أن ابن شهاب قال : فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم { أن يمزقوا كل ممزق ابن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى } .
516 - وما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا الأويسي ، عن إبراهيم بن سعد ، عن صالح بن كيسان قال : أخبرني ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، ثم ذكر مثله سواء . ابن عباس
قال ابن أبي عمران : فخولف بين هلاكيهما في تعجيل أحدهما ، وفي [ ص: 449 ] تأخير الآخر ، وكان هذا التأويل عندنا أشبه من الأول ؛ لأن في التأويل الأول ذكر هلاك قيصر ، ولم يهلك ، إنما كان منه تحوله بملكه من الشام إلى الموضع الذي هو مقيم به الآن .
ومما يحقق أيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { والذي نفسي بيده ، لتنفقن كنوزهما في سبيل الله } ، فقد أنفق كنز كسرى في ذلك ، ولم ينفق كنز قيصر في مثله إلى الآن ، ولكنه سينفق في المستأنف في مثل ذلك ؛ لأن قول رسول الله عليه السلام فإنما هو عن الله تعالى ، ولا يخلف الميعاد .
وقد حقق ذلك أيضا ما قد روي عن رسول الله عليه السلام في هلاك قيصر .
517 - كما قد حدثنا ، حدثنا علي بن معبد ، حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، عن زائدة بن قدامة ، عن عبد الملك بن عمير ، عن جابر بن سمرة نافع بن عتبة بن أبي وقاص ، عن النبي عليه السلام قال : { الدجال فيفتحه الله تقاتلون جزيرة العرب فيفتحها الله تعالى ، ثم تقاتلون فارسا فيفتحها الله ، ثم تقاتلون الروم فيفتحها الله ، ثم تقاتلون } .
قال جابر : ولا يخرج الدجال حتى يخرج الروم .
[ ص: 450 ]
518 - وما قد حدثنا ، حدثنا أبو أمية خلف بن الوليد اللؤلؤي ، حدثنا قال أبو جعفر الرازي : واسمه الطحاوي عيسى بن ماهان ، عن ، عن عبد الملك بن عمير قال : سمعت النبي عليه السلام يقول : { جابر بن سمرة الدجال ستغزون جزيرة العرب وتفتح عليكم ، وتغزون فارسا وتفتح عليكم ، وتغزون الروم وتفتح عليكم ، ثم } .
قال : ولم يذكر نافع بن عتبة .
فأخبر رسول الله عليه السلام أن فتح الروم المقرون بفتح كسرى لم يكن ، وأنه كائن ، وأن كونه إذا كان ككون فتح كسرى الذي قد كان .
وقد روي عنه عليه السلام في آية ذلك :
519 - ما قد حدثنا أحمد بن يحيى بن يزيد الصوري أبو عبد الله ، حدثنا ، حدثنا الهيثم بن جميل ، عن ابن ثوبان أبيه ، عن ، عن مكحول ، عن جبير بن نفير مالك بن يخامر ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { معاذ بيت المقدس خراب ليثرب ، وخراب يثرب خروج الملحمة ، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية ، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ، ثم ضرب على فخذي - أو فخذ الذي بجنبه أو منكبه - ثم قال : أما إنه لحق كما أنك هاهنا عمران } .
[ ص: 451 ]
520 - وما قد حدثنا محمد بن عبد الرحيم الهروي ، حدثنا ، حدثنا علي بن الجعد الجوهري ، ثم ذكر بإسناده مثله ، غير أنه قال : حضور الملحمة مكان خروج الملحمة . ابن ثوبان
فأخبرنا عليه السلام بالمعنى الذي يكون عنده هلاك قيصر حتى يكون هلاكه هلاك كسرى الذي قد كان ، فلا يكون بعده قيصر إلى يوم القيامة ، كما لا يكون بعد كسرى كسرى إلى يوم القيامة ، وتكون البلدان كلها خالية من كل واحد منهما ، وتكون كنوزهما قد صرفت إلى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه ينفق فيه .