4593 - حدثنا ، أخبرنا يونس ، أخبرني ابن وهب نافع بن يزيد ، عن ، عن عقيل بن خالد ، عن ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أنس بن مالك أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة ، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا من أخص إخوانه ، كانا يغدوان إليه ويروحان ، فقال أحدهما لصاحبه : تعلم والله ، لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين ، فقال له صاحبه : وما ذاك ؟ قال : من ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله ، فيكشف ما به ، فلما راحا إليه ، لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له ، فقال أيوب صلوات الله عليه : لا أدري ما تقول غير أن الله قد رآني كنت أمر على الرجلين يتنازعان ، فيذكران الله تعالى ، فأرجع [ ص: 536 ] إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق ، وكان يخرج في حاجته ، فإذا قضاها ، أمسكت امرأته بيده حتى يبلغ ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها ، فأوحى الله تعالى إلى أيوب في مكانه أن اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب [ ص : 42 ] ، واستبطأته فتلقته تنظر ، وأقبل عليها قد أذهب الله تعالى جده ما به من البلاء وهو على أحسن ما كان ، فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك ، هل رأيت نبي الله هذا المبتلى ؟ والله على ذلك ما رأيت أحدا أشبه به منك إذ كان صحيحا ، قال : فإني أنا هو ، وكان له أندران : أندر للقمح وأندر للشعير ، فبعث الله تعالى سحابتين ، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه القمح ذهبا حتى فاض ، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق حتى فاض إن نبي الله " .
4594 - وحدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا سعيد بن أبي مريم نافع بن يزيد ، أخبرني ، عن عقيل ، عن ابن شهاب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله ، إلا أنه قال [ ص: 537 ] مكان " يتنازعان " : أنس بن مالك يتراغمان " .
4595 - وحدثنا قال : حدثنا يزيد ، عن أبو صالح نافع ، ثم ذكر بإسناده مثله .
4596 - قال : فسألت أنا أبو جعفر عن هذا الحديث ، وقلت له : هل رواه عن إبراهيم بن أبي داود عقيل غير نافع بن يزيد ؟ قال : نعم ، حدثنا قال : حدثنا نعيم بن حماد ، عن ابن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن عقيل ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر فيه ابن شهاب . أنس بن مالك
[ ص: 538 ] قال : فتأملنا ما في هذا الحديث من قول أبو جعفر أيوب عليه السلام للرجل الذي قال له ما قال : والله ما أدري ما تقول غير أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل ، فأرجع إلى بيتي ، فأكفر عنهما كراهية أن يذكرا الله إلا في حق ، فكان محالا أن يكون ما كان منه صلى الله عليه وسلم في ذلك كفارة عن يمين كانت منهما أو من أحدهما ، لأنه لا يجوز أن يكفر عن حالف بيمين غيره بعد حنثه فيها ، ولا قبل حنثه فيها وهو حي ، ولكنه عندنا - والله أعلم - على كفارة عن الكلام الذي ذكر الله عز وجل فيه مما لم يكن يصلح أن يذكر ، ثم عدنا إلى الكفارات عن الأشياء ما هي ؟ فرأيناها هي التغطية لما كفرت به عنه ، وكانت التغطية للأشياء قد يكون منها فناء تلك الأشياء ، كمثل ما يبذره الناس في أرضهم ، يزرعونه فيها ، فيغطونه بما يلقون عليه من الطين ، فسموا بذلك كفارا لتغطيتهم إياه ، ومنه قول الله تعالى : كمثل غيث أعجب الكفار نباته ، يعني الزراع له ، لا الكفار بالله تعالى ، ولا يكون نباته إلا بعد فناء ما كان زرع في مكانه ، وقد يكون مع ذلك بقاؤهما وظهورهما بعد ذلك ، كمثل ما قيل :
في ليلة كفر النجوم غمامها
[ ص: 539 ] أي : غطى نجومها التي قد ظهرت . وكان أحسن ما حضرنا في تأويل ما قال أيوب صلوات الله عليه مما ذكر عنه في هذا الحديث : أنه لما كان من خطاب ذينك الرجلين ما كان مما خلطا ذكر الله بما لا يصلح ذكره عز وجل فيه ، كان ذلك خطيئة قد ظهرت ، وما ظهر من الخطايا فلم تغير ، عذب الله تعالى عليه الخاصة والعامة .4597 - كما قد حدثنا حدثنا إبراهيم بن مرزوق ، عمرو بن أبي رزين ، حدثنا ، عن سيف بن أبي سليمان المكي عدي بن عدي - قال : وهو ابن عميرة - عن أبو جعفر أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى لا يهلك العامة بعمل الخاصة ، ولكن إذا رأوا المنكر بين ظهرانيهم فلم يغيروا ، عذب الله تعالى العامة والخاصة " .
[ ص: 540 ] قال : فلما عاد ما كان من ذينك الرجلين إلى ما يؤخذ به العامة ، تلافاه أبو جعفر أيوب بما يدفع وقوع عذاب الله من الصدقة التي تكفر الذنوب وتدفع العقوبات من غير أن يكون ذينك الرجلين قد كانت لهما في ذلك كفارة ، فكانت تلك الكفارة تغطي تلك المعصية تغطية فيها فناؤها ، وإن كان الرجلان اللذان اكتسباها لم يدخلا في ذلك ، ومثل ذلك قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون [ الأنفال : 33 ] ، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أنه يرفع العذاب عنهم ، وإن كانوا يستحقونه ، باستغفارهم إياه ، وكان ذلك الاستغفار - والله أعلم - مما يقع في القلوب أنه لم يكن كان من جميعهم ، ولكنه كان من بعضهم ، فرفعت به العقوبة عمن كانت منه تلك المعاصي ، وعمن لم تكن منه ، فهذا أحسن ما حضرنا من المعاني التي يحتملها ما قد ذكرناه عن أيوب عليه السلام ، والله أعلم بالحقيقة كانت في ذلك ، والله نسأله التوفيق .