[ ص: 417 ] 70 - باب بيان مشكل ما روي عنه عليه السلام من قوله : { فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر }
477 - حدثنا ، يونس ، قالا : أخبرنا والربيع المرادي ، أخبرني ابن وهب ، عن موسى بن علي ، عن أبيه أبي قيس مولى عمرو بن العاص ، عن : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { عمرو فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر } .
فتأملنا هذا لنقف على المعنى الذي أريد به ما هو ، فوجدنا أهل الكتاب من شريعتهم أنهم إذا ناموا في ليلهم حرم عليهم بذلك في بقيته ما يحرم على الصائم من إتيان النساء ، ومن الأكل ، ومن الشرب ، إلى خروجهم من صوم غد تلك الليلة ، وكذلك كان أهل الإسلام في صدر الإسلام حتى نسخ الله ذلك بما نسخه من كتابه . وروي في ذلك :
478 - ما قد حدثنا ، حدثنا بكار ، حدثنا أبو داود الطيالسي ، عن المسعودي ، عن عمرو بن مرة ، { عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : معاذ بن جبل المدينة فصام من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام يوم عاشوراء فصامها كذا ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، ثم أنزل الله : كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم إلى قوله : فمن تطوع خيرا فهو خير له ، وكان من شاء صام ، ومن شاء أطعم مسكينا ، وأجزأ ذلك عنه حتى أنزل الله تعالى : شهر رمضان الذي أنـزل فيه القرآن . إلى قوله : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ، وإلى قوله : يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر .
ففرضه الله وأثبت صيامه على الصحيح المقيم ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للشيخ الذي لا يستطيع صيامه ، وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ، فإذا ناموا امتنعوا من ذلك ، فجاء رجل يقال له : صرمة قد ظل يومه يعمل ، فجاء فصلى العشاء ، ووضع رأسه فنام قبل أن يطعم ، فأصبح صائما ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر النهار ، وقد أجهد فقال : إني أراك قد أجهدت . فقال : يا رسول الله ، ظللت يومي أعمل فجئت صلاة العشاء ، فنمت قبل أن أطعم ، وجاء عمر ، وقد أصاب من النساء فنزلت هذه الآية : أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم إلى قوله : من الفجر أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، والصيام [ ص: 418 ] ثلاثة أحوال ، فذكر أحوال الصلاة الثلاثة ، ثم قال : وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم } .
[ ص: 419 ]
479 - وما قد حدثنا ، حدثنا محمد بن علي بن داود سعيد بن يعقوب الطالقاني ، حدثنا ، أخبرنا هشيم ، عن حصين بن عبد الرحمن ، { عن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصار يقال له : صرمة بن مالك ، وكان شيخا [ ص: 420 ] كبيرا جاء إلى أهله عشاء ، وهو صائم ، وكانوا إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يأكل شيئا إلى مثلها ، والمرأة إذا نامت لم يكن زوجها يقربها حتى جاء مثلها ، فلما جاء صرمة إلى أهله فدعا بعشائه فقالوا : أمهل حتى نتخذ لك طعاما سخينا تفطر عليه ، فوضع الشيخ رأسه فنام ، فجاؤوا بطعامه فقال : كنت نائما فلم يطعمه فبات ليلته فلصق ظهرا لبطن ، فلما أصبح أتى النبي عليه السلام فأخبره فنزلت هذه الآية : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فرخص لهم أن يأكلوا من أول الليل إلى آخره .
وجاء عمر فأتى أهله فقالت : إنها نامت فظن عمر رضي الله عنه أنها اعتلت عليه فواقعها ، فأخبر أنها كانت نامت ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت فيه : علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم الآية رجل من } .
[ ص: 421 ] فوقفنا بذلك على أن معنى ما روينا في حديث هو أن صومنا جائز لنا أن نأكل في لياليه ، وإن كنا قد نمنا فيها بخلاف صوم أهل الكتاب الذين إذا ناموا في ليالي صومهم لم يأكلوا فيه حتى يمضي غد تلك الليلة . عمرو بن العاص