[ ص: 173 ] 675 - باب بيان مشكل ما روي في حديث رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره إياها بابتياع عائشة بريرة وهي مكاتبة قبل خروجها منها
قال : في حديث أبو جعفر الذي رويناه في الباب الذي قبل هذا الباب قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لها في عائشة بريرة بعد علمه أنها مكاتبة لأهلها : " ابتاعي ، وأعتقي " .
فقال قائل : وكيف يجوز أن تقبلوا مثل هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أجمع أهل العلم أنه لا يجوز بيع المكاتب ، ولا يجوز أن تخالفوا ما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
فكان جوابنا له في ذلك أن بريرة قد كانت سألت في حديثها هذا ما سألتها ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بابتياعها من أهلها ، وحق المكاتبة الذي يمنع من بيع المكاتبين إنما هو للمكاتبين والمكاتبين لا من سواهم ، فإذا كان ذلك كذلك ، فاجتمع من له المكاتبة على البيع ممن هي له لمن هي عليه - كان في ذلك تعجيز لمن هي عليه نفسه ، وقبول لمن هي له عليه ذلك منه ، فجاز البيع بذلك لخروج المبيع من المكاتبة به . عائشة
[ ص: 174 ] فقال هذا القائل : وهل خرجت بريرة من المكاتبة قبل الابتياع الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بابتياعها وهي فيها ؟ عائشة
فكان جوابنا له في ذلك أن البيع وقع من موالي بريرة وهي مكاتبة ، وكان في ذلك إبطال منهم ومن بريرة لتلك المكاتبة ، فعاد ذلك إلى عقد بيع ، وفي رقبته ما يمنع من بيعه كرهن كان فيه ، وكدين كان عليه ، وكإجارة كان فيها ، فكان لأهل تلك الحقوق المنع من بيعه لها ، فأطلقوا بيعه وتركوا المنع منه لحقوقهم فيه ، فلا اختلاف في ذلك بين أهل العلم أن البيع قد جاز فيه .
وقد كان أبو يوسف ومحمد بن الحسن اختلفا في هذه المسألة ، وهي ، فأجاز بيع مولى المكاتب بإذنه قبل عجزه عن المكاتبة ذلك البيع ولم يجزه أبو يوسف محمد ، لأن البيع إنما وقع في مكاتب تمنع مكاتبته بيعه ، وكان ما قال في ذلك عندنا أولى مما قاله أبو يوسف محمد بن الحسن فيه ، لما قد كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم في بريرة ، ثم لما قد ذكرناه من النظر الذي يجب به ما قال مخالفوه فيه . وبالله التوفيق .