[ ص: 397 ] 651 - باب بيان مشكل ما روي في الإمام في الصلاة التي كانت آخر صلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يصلي فيها جالسا وأبو بكر يصلي فيها قائما والناس يصلون قياما من كان الإمام فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أبي بكر رضي الله عنه .
4206 - حدثنا فهد بن سليمان حدثنا حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم . الأسود
عن رضي الله عنها قالت : عائشة بلال يؤذنه بالصلاة فقال : ائتوا أبا بكر فليصل بالناس ، قالت : فقلت : يا رسول الله لو أمرت عمر أن يصلي بهم فإن أبا بكر رجل أسيف ومتى يقوم مقامك لا يسمع الناس ، قال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فأمروا أبا بكر فصلى بالناس فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة فقام يهادى بين اثنين ورجلاه تخطان في الأرض فلما سمع أبو بكر حسه ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن صل كما أنت فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس عن يسار أبي بكر رضي الله عنه ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس وأبو بكر [ ص: 398 ] يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء .
4207 - حدثنا فهد حدثنا حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زائدة بن قدامة ، عن موسى بن أبي عائشة قال : عبيد الله بن عبد الله وهو ابن عتبة
[ ص: 399 ] رضي الله عنها فقلت : ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : بلى كان الناس عكوفا في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عائشة أبي بكر أن يصلي بالناس فكان يصلي بهم تلك الأيام ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة فخرج يهادى بين رجلين لصلاة الظهر وأبو بكر يصلي بالناس فلما رآه أبو بكر رضي الله عنه ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا تتأخر وقال لهما أجلساني إلى جنبه فأجلساه إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر رضي الله عنه يصلي وهو قائم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ، قال عبيد الله فدخلت على رضي الله عنه فعرضت حديثها عليه فما أنكر من ذلك شيئا ابن عباس دخلت على .
قال : ففي هذين الحديثين أن أبو جعفر أبا بكر رضي الله عنه كان يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الحديث الأول منهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالناس وأبو بكر رضي الله عنه يقتدي به وهو قائم والناس يصلون يعني بصلاة أبي بكر رضي الله عنه .
[ ص: 400 ] وفي الحديث الثاني منهما أن أبا بكر رضي الله عنه جعل يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه .
فتأملنا هذين الحديثين لنعلم من كان الإمام في تلك الصلاة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن أبي بكر إن شاء الله فكان في الحديث الأول منهما ما قد دل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان هو الإمام فيها ، وأن أبا بكر رضي الله عنه عاد مأموما مصليا بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان كذلك كان الناس جميعا في تلك الصلاة مصلين بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بصلاة أبي بكر رضي الله عنه .
وكان في الحديث الثاني منهما أن أبا بكر رضي الله عنه جعل يصلي بهم وهو قائم يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد ، وفي هذا الحديث موافقة ابن عباس على ما فيه وإذا كانوا يصلون بصلاة عائشة أبي بكر كان في ذلك ما قد دل على أنه لم يكن خرج من الإمامة بهم التي كان فيها قبل حضور النبي صلى الله عليه وسلم ، وكل ما في هذين الحديثين فإنما هو عن رضي الله عنها وما في الحديث الثاني منهما فعن عائشة أيضا وإذا تكافأ ما روي عن ابن عباس رضي الله عنها في ذلك ارتفع وثبت ما روي عن عائشة فيه ، ثم نظرنا هل روي عن ابن عباس رضي الله عنها في ذلك سوى هذين الحديثين أم لا . عائشة
4208 - فوجدنا فهدا قد حدثنا ، قال : حدثنا ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة بن سوار ، عن شعبة نعيم بن أبي هند [ ص: 401 ] عن ، عن أبي وائل . مسروق
عن رضي الله عنها قالت : عائشة أبي بكر رضي الله عنه قاعدا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه خلف .
4209 - ووجدنا قد حدثنا ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا محمد بن [ ص: 402 ] المثنى بكر بن عيسى قال : سمعت يذكر ، عن شعبة نعيم بن أبي هند ، عن ، عن أبي وائل . مسروق
عن رضي الله عنها عائشة أبا بكر رضي الله عنه صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف أن .
فكان في هذين الحديثين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مصليا بصلاة أبي بكر رضي الله عنه مأموما فيها ، ونظرنا في قول ابن عباس وكان وعائشة أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فوجدنا ذلك محتملا أن يكونا يريدان بقولهما ذلك أنه كان يصلي بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم التي بقدر طاقته صلى الله عليه وسلم عليها للمرض الذي كان فيه ; لأن طاقته للصلاة فيه ليست كطاقة من سواه لها ممن لا مرض به كمرضه الذي كان به .
وكان من سنته صلى الله عليه وسلم التي أمر الأئمة بالناس أن يقدروا الناس في صلاتهم بصلاة أضعفهم .
4210 - كما قد حدثنا حدثنا المزني أخبرنا الشافعي ، عن سفيان بن عيينة ، عن محمد بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي هند قال : مطرف بن عبد الله
[ ص: 403 ] سمعت قال عثمان بن أبي العاص أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أؤم الناس وأن أقدرهم بأضعفهم فإن فيهم الكبير والسقيم والضعيف وذا الحاجة .
فكانت صلاة أبي بكر بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي تقديره إياها وصلاته بالناس مثلها ، وتركه المجاورة بطاقته فيها إلى ما هو فوق ذلك ، فكانت تلك صلاته بصلاته لا بما سوى ذلك وكان هذا أولى ما حمل عليه هذا المعنى ; لأن الناس في تلك الصلاة لم يكن إمامهم فيها إلا إمام واحد لا إمامان ، ولما كان فيها أن أبا بكر كان هو الإمام بالناس فيها غير النبي صلى الله عليه وسلم وجب أن يكون هو الإمام فيها للنبي صلى الله عليه وسلم أيضا ، وقد حقق ذلك حديث مسروق عن رضي الله عنها أن [ ص: 404 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة خلف عائشة أبي بكر وقد روي حديث موسى بن أبي عائشة من غير طريق زائدة بمعنى زائد على ما في حديث زائدة .
4211 - كما قد حدثنا حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثني محمود بن غيلان ، قال : حدثنا أبو داود ، عن شعبة قال : سمعت موسى بن أبي عائشة يحدث عن عبيد الله بن عبد الله رضي الله عنها عائشة أبا بكر أن يصلي بالناس قالت : وكان النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي أبي بكر يصلي قاعدا وأبو بكر يصلي بالناس والناس خلف أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر .
ففي هذا الحديث ما قد زعم بعض الناس أنه قد دله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة إماما ، وأن أبا بكر كان فيها مأموما ; لأن فيه أنه كان بين يدي أبي بكر رضي الله عنه .
فكان جوابنا له في ذلك أنه لا دلالة له بذلك على ما ذكر أنه دله عليه إذ كان من أهل العلم من يقول : إنه جائز للمأموم أن يصلي بين يدي الإمام كما يصلي خلفه وممن قال ذلك منهم وإذا كان ذلك كذلك لم يكن ما في هذا الحديث من ذلك المعنى دليلا له على ما ذكر مع أنه قد روي فيما سوى هذه [ ص: 405 ] الأحاديث ما قد حقق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في تلك الصلاة مأموما . مالك بن أنس
4212 - كما حدثنا علي بن شيبة حدثنا حدثنا معاوية بن عمرو الأزدي ، عن زائدة ، عن عبد الملك بن عمير . أبي بردة بن أبي موسى
عن قال أبيه أبا بكر فليصل بالناس ، فقالت : إن عائشة أبا بكر رجل رقيق ، فقال : مروا أبا بكر فليصل بالناس فإنكن صواحب يوسف ، قال : فأم أبو بكر رضي الله عنه في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض النبي صلى الله عليه وسلم فقال : مروا .
فقال هذا المستدل بما ذكرنا استدلاله به : لا حجة لك في حديث أبي موسى هذا لأنه قد يجوز أن تكون هذه الإمامة من أبي بكر رضي الله عنه إنما أريد بها الصلوات التي كان أم الناس فيها في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الصلاة التي وقع هذا التنازع في الإمام فيها بالناس من كان منه ومن أبي بكر رضي الله عنه .
فكان جوابنا له في ذلك أن في حديث أبي موسى من خطابهم للنبي صلى الله عليه وسلم ومن خطاب النبي صلى الله عليه وسلم إياهم مثل خطابه إياهم وخطابهم إياه في حديث الأسود ، عن رضي الله عنها مع أنا قد وجدنا من [ ص: 406 ] أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى عائشة وسوى ابن عباس وسوى عائشة أبي موسى وهو قد حقق أن الإمام كان في تلك الصلاة أنس بن مالك أبو بكر رضي الله عنه .
4213 - كما حدثنا محمد بن حميد بن هشام الرعيني حدثنا أخبرنا سعيد بن أبي مريم حدثني يحيى بن أيوب حدثني حميد . ثابت البناني
عن رضي الله عنه أنس بن مالك أبي بكر رضي الله عنه في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه فكانت آخر صلاة صلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف .
4214 - وكما حدثنا أخبرنا أحمد بن شعيب أخبرنا علي بن حجر حدثنا إسماعيل بن جعفر . حميد
[ ص: 407 ] عن رضي الله عنه قال : أنس أبي بكر آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم صلاها في ثوب واحد متوشحا خلف ولم يذكر في إسناده ثابتا .
وكيف يجوز أن يكون أحد إماما لغيره في صلاة قد دخل فيها ذلك الغير قبله وكان دخوله فيها دخولا يوجب عليه في سهوه فيها من السجود ما لو كان مأموما لم يوجبه عليه وكان دخوله فيها إماما يوجب عليه من القراءة فيها في قول من يذهب إلى أنه كان الإمام فيها ما لا يوجبه عليه فيها إذا كان مأموما فيها ; لأن الإمام عنده وعند غيره يقرأ في الأوليين من تلك الصلاة في كل ركعة منهما فاتحة الكتاب وسورة ، وإذا كان مأموما وجب عليه عنده أن يقرأ في كل ركعة واحدة منهما فاتحة الكتاب بلا سورة وكيف يجوز أن يخرج من صلاة هذا حكمها إلى صلاة أخرى حكمها ضد هذا الحكم بلا تكبير يستأنفه لها ، وكيف يظن ذلك بأبي بكر رضي الله عنه وقد كان من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي علمه ومن سواه من أصحابه إياها أن لا يسبقوا أئمتهم [ ص: 408 ] بالركوع ولا بالسجود في صلاتهم التي يصلونها معهم ، وأن يكونوا مقتدين بهم في ذلك لا مخالفين لهم فيه ، فإن قال قائل فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة غير هذه الصلاة من صلواته كبر بالناس ، ثم ذكر أنه كان جنبا فأومأ إليهم أن يكونوا مكانهم حتى مضى فاغتسل ، ثم رجع فصلى بهم .
فكان جوابنا له في ذلك أن هذا حديث قد روي عن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم وهم أنس بن مالك وأبو هريرة وأبو بكرة ، فمنهم من ذكر في حديثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ما كان منه فيها من ذكره الجنابة قبل أن يكبر لها وإذا كان لم يكبر لها كان من خلفه أحرى أن لم يكونوا كبروا لها ، وفي ذلك ما قد يوجب أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع وقد اغتسل استأنف بهم الصلاة ومنهم من ذكر في حديثه أن ذكره لذلك بعد أن كبر ودخل في الصلاة ، وقد يحتمل أن يكون القوم قد كانوا كبروا ويحتمل أن يكونوا لم يكونوا كبروا فلم يدخلوا في الصلاة حتى جاء النبي من غسله فصلى بهم بتكبير استأنفه وبتكبير استأنفوه ، فثبت بذلك أن لا دليل في هذا الحديث لمن استدل به على دخول القوم في الصلاة قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم كان فيها ، وقد ذكرنا هذا الباب بأسانيده وبالاختلافات فيه فيما تقدم منا من كتابنا هذا ، وفيما ذكرنا في هذا الباب ما يمنع من دخول المأموم في الصلاة قبل دخول غيره فيها ، ثم يعود مؤتما بذلك الغير الذي كان دخوله في تلك الصلاة بعد دخوله فيها ، والله تعالى نسأله التوفيق .