[ ص: 343 ] 60 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام { في نهيه رديفه عند عثور جمله أو حماره أن يقول : تعس الشيطان }
368 - حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان أحمد بن عبدة ، حدثنا محمد بن حمران ، حدثنا ، عن خالد الحذاء أبي تميمة الهجيمي ، عن ، عن أبي المليح أبيه قال : كنت رديف النبي عليه السلام فعثر بعيري فقلت : تعس الشيطان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تقل : تعس الشيطان ، فإنه يعظم حتى يصير مثل البيت ، ويقول : بقوتي صرعته ، ولكن قل : باسم الله ، فإنه يصغر حتى يصير مثل الذبابة } .
369 - حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، عن قبيصة ، عن سفيان ، عن عاصم الأحول أبي تميمة ، [ ص: 344 ] عن ردف النبي عليه السلام حدثناه مرة هكذا ، وحدثنا به مرة أخرى فقال فيه - أو من حدثني به ، عن ردف النبي عليه السلام - قال : { عثر حمار فقال : تعس الشيطان ، فقال : لا تقل : تعس الشيطان ، ولكن قل باسم الله ، فإنك إذا قلت : تعس الشيطان يعظم حتى يكون مثل الجبل فيقول : بقوتي صرعته ، وإذا قلت : باسم الله ، تصاغر حتى يصير مثل الذباب } .
فكان فيما روينا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم رديفه عند عثور جمله أو حماره عن قوله : تعس الشيطان ، وإخباره إياه عند ذلك بما يكون من الشيطان بسبب هذا القول عند هذه الحادثة .
فقال قائل : فقد رويتم عن رسول الله عليه السلام من { قوله لعثمان بن أبي العاص لما ذكر له أن الشيطان يلبس عليه قراءته وصلاته أن يخسئه } وذلك مثبت منه له . وذكر في ذلك :
370 - ما قد حدثنا ، حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا أبو عمر الحوضي ، عن خالد بن عبد الله الواسطي ، عن الجريري ، عن يزيد بن عبد الله ، [ ص: 345 ] عن مطرف قال : { عثمان بن أبي العاص قلت : يا رسول الله ، إن الشيطان يأتيني فيلبس علي قراءتي ، قال : ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا أتاك فاخسأه ، ففعلت فذهب عني } .
371 - حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا ، حدثنا الفريابي ، عن سفيان ، عن سعيد بن إياس الجريري ، عن يزيد بن عبد الله بن الشخير ، ولم يذكر عثمان مطرفا قال : { قلت : يا رسول الله ، حال الشيطان بيني وبين صلاتي وقراءتي . قال : ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا حسسته فتعوذ بالله ، واتفل عن يسارك ثلاثا } .
فقال هذا المعارض : فهل تجدون وجها يخرج لكل واحد من الحديثين معنى غير معنى الآخر حتى ينتفي عنهما التضاد والاختلاف .
فكان جوابنا له في ذلك أن سلطان الشيطان على بني آدم هو وسوسته إياهم ، وإيقاعه في قلوبهم ما لا يحبون ، وإنساؤه إياهم ما يذكرون .
ومن ذلك قول الله تعالى حكاية عن صاحب موسى عليه السلام : فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره . وقوله تعالى : فأنساه الشيطان ذكر ربه فلبث في السجن بضع سنين في قصة نبيه يوسف عليه السلام ، وأشياء من هذا الجنس ، [ ص: 346 ] ولم يجعل له سلطان في إعثار دوابهم ، ولا في استهلاك أموالهم ، وأمروا عند ذلك أن يستعيذوا بالله تعالى منه .
فمن ذلك قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .
فلما كان من ردف النبي عليه السلام عند عثور جمله أو حماره قوله : تعس الشيطان ، والتعس هو السقوط على أنه جعل ذلك فعلا للشيطان لسؤاله بقول : تعس الشيطان أن يفعل به مثل ذلك ، نهاه رسول الله عليه السلام لأنه بذلك موقع للشيطان أن ذلك الفعل كان منه ، ولم يكن منه ، إنما كان من الله عز وجل ، وأمره أن يكون مكان ذلك باسم الله حتى لا يكون عند الشيطان أنه كان منه عنده في ذلك فعل ، ولما كان من تشكي عثمان إليه عليه السلام من الشيطان ما شكاه إليه منه ، مما هو موهوم منه أن يفعله به ؛ لأنه من سلطانه على بني آدم أمره أن يخسأه ، وهو الإبعاد ، ومنه قوله تعالى : قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون فخرج معنى كل واحد من هذين الحديثين بما لا مضادة فيه ، لما في الحديث الآخر منهما ، وبالله التوفيق .