[ ص: 144 ] 24 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله عليه السلام مما كان أمر به عمر بن أبي سلمة من الأكل مما يليه من الطعام دون ما سواه منه وما يدخل في هذا المعنى سواه
151 - حدثنا محمد بن عمرو بن يونس الكوفي ، أبو جعفر المعروف بالسوسي ، حدثنا ، عن أبو معاوية الضرير ، عن هشام بن عروة أبي وجزة ، عن رجل من مزينة ، عن ، قال : { عمر بن أبي سلمة دخلت على النبي عليه السلام ، وهو يأكل في بيت أمي فقال : اجلس يا بني ، سم الله تعالى ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك ، قال : فما زالت إكلتي بعد } .
[ ص: 145 ]
152 - حدثنا فهد بن سليمان ، حدثنا هشام بن عبد الواحد ، حدثنا يزيد بن عبد العزيز ، عن ، عن هشام أبي وجزة ، عن جار لعمر بن أبي سلمة ، عن ، ثم ذكر مثله . عمر بن أبي سلمة
قال : فكان هذا الحديث عندنا فاسد الإسناد ، إذ كان من رواية جار أبو جعفر عمر بن أبي سلمة الذي لم يسم لنا فيه ، ولم نعرفه ، فطلبناه من رواية غير أبي معاوية ، وغير يزيد بن عبد العزيز ، عن هشام .
153 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : حدثنا عبد الله بن الصباح بن عبد الله ، قال : حدثنا عبد الأعلى ، يعني : ابن عبد الأعلى ، عن معمر ، عن هشام ، عن أبيه ، { عمر بن أبي سلمة أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده طعام ، فقال : ادنه يا بني ، فسم الله عز وجل ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك } .
قال : فكان ظاهر هذا الحديث لولا ما قد عارضه بما قد رويناه قبله مستقيم الإسناد ، ولكن لما عارضه في إسناد ما رويناه قبله كافأه ، ووجب تنافيه وإياه لذلك ، ثم طلبناه من غير حديث أبو جعفر هشام .
154 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أبا أمية ، قال : حدثنا خالد بن مخلد القطواني ، عن مالك ، [ ص: 146 ] عن أبي نعيم وهب بن كيسان عمر بن أبي سلمة أن النبي عليه السلام قال له : { سم الله ، وكل مما يليك } .
155 - ووجدنا ، قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، حدثنا يحيى بن صالح الوحاظي ، عن مالك ، عن وهب بن كيسان ، { عمر بن أبي سلمة أن النبي عليه السلام قال له : ادن فسم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك } .
فكان هذا الحديث حسن الإسناد ، غير أنا قد وجدناه من رواية ابن وهب ، عن مالك في " موطئه " ، عن وهب بن كيسان موقوفا .
156 - كما حدثنا ، حدثنا يونس أن ابن وهب حدثه عن مالكا أنه قال : { وهب بن كيسان عمر بن أبي سلمة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سم الله ، وكل مما يليك أتي رسول الله عليه السلام بطعام ، ومعه ربيبه } .
ثم طلبناه من غير حديث مالك عن وهب .
157 - فوجدنا روح بن الفرج أبا الزنباع ، قد حدثنا قال : حدثنا [ ص: 147 ] حامد بن يحيى البلخي ، حدثنا ، حدثنا ابن عيينة أنه سمع الوليد بن كثير المديني قال : سمعت وهب بن كيسان يقول : { عمر بن أبي سلمة كنت غلاما يتيما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكلت معه ، فكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام ، إذا أكلت فسم الله ، وإذا أكلت فكل بيمينك ، وإذا أكلت فكل مما يليك . قال : فما زالت تلك طعمتي بعد } .
158 - ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن شعيب محمد بن منصور الجواز ، حدثنا ، حدثنا سفيان بن عيينة قال : سمعت الوليد بن كثير قال : سمعت وهب بن كيسان يقول : { عمر بن أبي سلمة كنت غلاما في حجر رسول الله عليه السلام ، وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي النبي عليه السلام : يا غلام ، سم الله ، وكل بيمينك ، وكل مما يليك } .
فاستقام لنا إسناد هذا الحديث من هذه الجهة ، ثم تأملنا بعد ذلك [ ص: 148 ] حديثا روي عن رسول الله عليه السلام مما يدخل هذا المعنى .
159 - وهو ما قد حدثنا ، حدثنا أبو أمية ، عن قبيصة بن عقبة ، عن سفيان الثوري ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير قال : قال رسول الله عليه السلام : { ابن عباس إن البركة وسط القصعة ، فكلوا من نواحيها ، ولا تأكلوا من رأسها } .
160 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا قال : حدثنا حجاج بن منهال ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن عطاء بن السائب ، - ولم يذكر سعيد بن جبير - أن رسول الله عليه السلام قال : { ابن عباس كلوا من أسفل الصحفة ، فإن البركة تنزل أعلاها } .
فاختلف الثوري وحماد بن سلمة على عطاء ، وكلاهما حجة فيه في إسناد هذا الحديث ، فوصله ، ووقفه الثوري حماد على ابن جبير .
[ ص: 149 ]
161 - ووجدنا محمد بن خزيمة قد حدثنا قال : حدثنا قال : حدثنا حجاج بن منهال ، عن همام بن يحيى ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عباس كلوا من حافات القصعة ، فإن البركة تنزل من وسطها } .
قال : وإنما أدخلنا في هذا الباب ما رواه أبو جعفر همام ، عن عطاء ، وإن كان الذين يعدونهم الحجة في أهل العلم بالإسناد إنما هم أربعة دون من سواهم : عطاء بن السائب ، شعبة والثوري ، ، وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ؛ لأن سماع همام من عطاء إنما كان بالبصرة لما قدمها عليهم ، وقد كان لما قدمها عليهم أيوب السختياني عطاء قال للناس : إيتوه وسلوه عن حديثه ، عن أبيه ، عن في التسبيح في دبر الصلاة . عبد الله بن عمرو
كما قد حدثنا ، حدثنا محمد بن علي بن داود عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا قال : قدم علينا حماد بن زيد عطاء بن السائب البصرة فقال لنا أيوب : إيتوه فاسألوه عن حديث التسبيح . قال : يعني حديث أبيه ، عن القواريري . عبد الله بن عمرو
[ ص: 150 ] قال : فقوي في قلوبنا سماع أبو جعفر همام منه إذ كان بالبصرة ؛ لأنه إنما كان اختلاطه بعد رجوعه إلى الكوفة .
وتأملنا حديث هذا هل ضاد حديث ابن عباس عمر بن أبي سلمة الذي رويناه عنه ؟ إذ كان في حديث { كلوا من نواحي الصحفة } ، فلم يوجد في ذلك ما يوجب تضاد حديث ابن عباس عمر ، إذ كان قد يحتمل قوله عليه السلام : { كلوا من نواحي الصحفة } أي : يأكل كل واحد منكم مما يليه من نواحيها ، لا يخرج عنه إلى ما سواه من نواحيها .
وقد يحتمل أيضا أن يكون ما في حديث هذا يراد به الأكل وحده ، لا الأكل مع غيره ، إذ كان تعديه في أكله مع غيره إلى غير ما يليه من القصعة التي يأكل معه فيها سوء أدب عليه ، وإذا كان يأكل وحده لم يكن في أكله من حيث أكل من الصحفة سوى وسطها سوء أدب على أحد . ابن عباس
ثم تأملنا ما روي عن رسول الله عليه السلام في هذا الباب غير هذين الحديثين : هل فيه ما يدل على شيء مما طلبناه في حديث منهما . ؟ ابن عباس
162 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، عن قتيبة بن سعيد ، عن مالك بن أنس : أنه سمع إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة يقول : { أنس بن مالك أنس : فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام ، فقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزا من شعير ، وقديدا فيه دباء . قال أنس : فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتتبع [ ص: 151 ] الدباء من حول الصحفة ، فلم أزل أحب الدباء من يومئذ إن خياطا دعا رسول الله عليه السلام لطعام صنعه . قال } .
فكان في هذا الحديث ذكر { أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما كان يليه من القصعة التي كان يأكل فيها ذلك الطعام } . فعقلنا بذلك أن ما في حديث عمر بن أبي سلمة مما { نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه عن الأكل من غير ما يليه من القصعة التي كان يأكل معه فيها } ، إنما كان لأكله مع غيره ، وأن ما في حديث من أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير ما يليه من القصعة التي كان يأكل فيها إنما كان لأكله وحده ، فخرج بذلك جميع ما رويناه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب عن التضاد ، وعقلنا أنه على معنيين كل واحد منهما خلاف المعنى الآخر ، والله نسأله التوفيق . أنس بن مالك