[ ص: 208 ] 183 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المراد بقول الله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم
1165 - حدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا قال : حدثنا يزيد بن هارون ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن قيس بن أبي حازم رضي الله عنه قال : أبي بكر الصديق يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم - وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم ، فلم يأخذوا على يديه - يوشك أن يعمهم الله بعقاب إنكم لتقرؤون هذه الآية : .
1166 - حدثنا قال : حدثنا الربيع بن سليمان المرادي قال : حدثنا أسد بن موسى قال : حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، عن إسماعيل بن [ ص: 209 ] أبي خالد قيس بن أبي حازم أن رضي الله عنه قام على المنبر فقال : يا أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية أبا بكر ، ثم ذكر مثله .
قال : فكان الذي في هذين الحديثين مما خاطب به أبو جعفر أبو بكر رضي الله عنه الناس فيهما أنهم يقرؤون هذه الآية كما تلاها عليهم ، وأنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول ... فذكر لهم ما سمعه ، قاله من هذين الحديثين .
ونحن نعلم أنه رضي الله عنه مع حكمته وجلالته وعظم مقداره لا يخاطب الناس بخطاب فيه نقصان ، ونعلم أن ما وقع من نقصان في ذلك فمن بعض رواة هذا الحديث لا منه ، ثم التمسنا من غير هاتين الروايتين .
1167 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا بكار بن قتيبة قال : حدثنا روح بن عبادة ، عن شعبة ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت قيس بن أبي حازم رضي الله عنه يقول : أبا بكر الصديق يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم - وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا عمل فيهم [ ص: 210 ] بالمعاصي أو بغير الحق ، ثم لم يغيروه - يوشك أن يعمهم الله بعقاب منه أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية من كتاب الله عز وجل تضعونها على غير ما وضعها الله عز وجل : .
1168 - ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يزيد بن سنان قال : حدثنا عمرو بن خالد ، عن زهير بن معاوية ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : سمعت قيس بن أبي حازم رضي الله عنه على المنبر يقول : أبا بكر الصديق يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . ثم قال : إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا منكرا لا يغيرونه أوشك أن يعمهم الله بعقابه أيها الناس ، إنكم تقرؤون هذه الآية ، وتضعونها على غير موضعها : .
1169 - ووجدنا أحمد بن داود قد حدثنا قال : حدثنا عبيد الله بن محمد التميمي قالا : حدثنا وعبد الأعلى بن حماد النرسي قال : سمعت المعتمر بن سليمان قال : حدثني إسماعيل بن أبي خالد ، [ ص: 211 ] عن قيس بن أبي حازم قال : أبي بكر ، ثم ذكر بقية هذا الحديث . سمعته حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس
1170 - وحدثنا علي بن شيبة قال : حدثنا قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، عن جرير بن عبد الحميد الضبي ، عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قيس بن أبي حازم رضي الله عنه هذه الآية : أبو بكر يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . ثم قال : إن الناس يضعون هذه الآية على غير موضعها ، ألا وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الناس إذا رأوا الظالم ، فلم يأخذوا على يديه ، أو قال : المنكر فلم يغيروه - عمهم الله عز وجل بعقابه قرأ .
قال : فكان في هذه الأحاديث الأولى أبو جعفر بالصديق رضي الله عنه أنه كان قاله ، وهو إخباره إياهم أن الناس يضعون هذه الآية التي تلاها عليهم على غير موضعها . فتأملنا ما يروى عن غيره رضي الله عنه في هذه الآية لنعلم بذلك موضعها ، هل هو تأويل يوقف عليه أو زمان من الأزمنة يكون ويكون قبله ما قرأ عليهم رضوان الله عليه ما قد سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقوله في الأمر بالمعروف وتغيير المنكر .
1171 - فوجدنا قد حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن أبي داود قال : حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى بن مسهر الغساني صدقة بن خالد [ ص: 212 ] قال : حدثنا عتبة بن أبي حكيم قال : حدثني عمرو بن جارية ، عن أبي أمية قال : قلت : كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال : أي آية ؟ قلت : أبا ثعلبة الخشني يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم . فقال لي : أما والله لقد سألت عنها خبيرا ، سألت عنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر ، حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ، ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك بنفسك ، وإياك وأمر العوام ؛ فإن من ورائكم أيام الصبر ، صبر فيهن مثل قبض على الجمر ، للعامل منكم يومئذ كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله سألت .
1172 - ووجدنا ابن أبي مريم قد حدثنا قال : حدثنا [ ص: 213 ] قال : حدثنا الفريابي ، عن صدقة بن يزيد الخراساني عتبة بن أبي حكيم ، عن أبي أمية الشعباني ، ولم يذكر قبله عمرو بن جارية ، قال : سألت ، ثم ذكر مثله سواء . أبا ثعلبة الخشني
1173 - ووجدنا قد حدثنا قال : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح موسى بن هارون البردي قال : حدثنا ، عن محمد بن شعيب بن شابور عتبة بن أبي حكيم قال : حدثنا عمرو بن جارية ، عن أبي أمية ، ثم ذكر مثله سواء .
قال : فعقلنا بهذا الحديث أن معنى قول أبو جعفر أبي بكر رضي الله عنه : إن الناس يضعون هذه الآية في غير موضعها - يريد بها سيعملونها في غير زمنها ، وأن زمنها الذي يستعمل فيه هو الزمن الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث بما وصفه به ، ونعوذ بالله عز وجل منه ، وأن ما قبله من الأزمنة فإن فرض الله عز وجل فيه على عباده الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى تعود الأمور إلى ما أمر الله عز وجل أن يكون الناس عليه من امتثال ما أمرهم الله به عز وجل والانتهاء عن ما نهاهم عنه . أبي ثعلبة
وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هذا المعنى من الأمر بالمعروف ومن النهي عن المنكر ، ومن التحذير من عواقب ترك ذلك سوى ما قد تقدمت روايتنا له في هذا الباب .
[ ص: 214 ]
1174 - ما حدثنا قال : حدثنا إبراهيم وهب بن جرير قالا : حدثنا وبشر بن عمر الزهراني ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق عبيد الله بن جرير ، عن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أبيه ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي أعز وأكثر مما يعمله وهو عندي - والله أعلم - ممن يعمله ، لا يغيرونه عليهم إلا عمهم الله عز وجل بعقاب .
1175 - وما حدثنا قال : حدثنا إبراهيم بن مرزوق عمرو بن أبي رزين قال : حدثنا ، عن سيف بن أبي سليمان المكي عدي بن عدي ، عن أبيه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله عز وجل لا يهلك العامة بعمل الخاصة ، ولكن إذا رأوا المنكر بين ظهرانيهم فلم يغيروه عذب الله عز وجل العامة والخاصة .
[ ص: 215 ] قال : ففيما ذكرنا توكيد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى يكون الزمان الذي ينقطع ذلك فيه ، وهو الزمان الذي وصفه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبو جعفر الذي لا منفعة فيه بأمر بمعروف ولا بنهي عن المنكر ، ولا قوة مع من ينكره على القيام [ ص: 216 ] بالواجب في ذلك فسقط الفرض عنه فيه ، ويرجع أمره فيه إلى خاصة نفسه ولا يضره مع ذلك من ضل . أبي ثعلبة
هكذا يقول أهل الآثار في هذا الباب على ما قد صححنا هذه الآثار عليه ، وأما من سواهم ممن يتعلق بالتأويل فيذهب إلى أن قوله عز وجل : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم - ليس على سقوط مفروض عليهم من أمر بمعروف ومن نهي عن منكر ، وأنهم لا يكونون مهتدين إذا لم يفعلوا ذلك ، وأنهم إنما يدخلون في قوله عز وجل : إذا اهتديتم ، إذا فعلوا ذلك لا إذا قصروا عنه ، ويذهبون إلى أن مثله من كتاب الله عز وجل قول الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - : ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء . وهو مع هذا صلى الله عليه وسلم فمفترض عليه جهاد أعداء الله وقتالهم حتى يردهم الله إلى دينه الذي بعثه الله به ، وأمره أن يقاتل الناس عليه كافة ، والقول الأول أبين معنى من هذا المعنى ، وإن كان هذا المعنى صحيحا . والله نسأله التوفيق .