[ ص: 421 ] 146 - باب بيان مشكل ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل : يوم تأتي السماء بدخان مبين
963 - حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، عن أبي قال : حدثنا الأعمش { عن مسلم وهو أبو الضحى قال : حدثني مسروق رجل في المسجد فذكر { يوم تأتي السماء بدخان مبين فقال : إذا كان يوم القيامة أصاب الناس دخان يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام ، فدخلت على فذكرت ذلك له وهو متكئ فجلس غضبانا ثم قال : يا أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم ، فإن من العلم إذا سئل الرجل عن ما لا يعلم قال الله عز وجل أعلم ، وقد قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم عبد الله قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ، وسأحدثكم عن ذلك : إن قريشا استعصت ونفرت فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقيل له ارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ، فأخذتهم [ ص: 422 ] سنة عضت كل شيء حتى أكلوا الميتة والعظام وحتى كان الرجل يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من الجهد فقالوا : ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون ثم قرأ إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون فكشف عنهم فعادوا في كفرهم يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون فعادوا في كفرهم فأخذهم الله في يوم بدر ولو كان يوم القيامة لم يكشف عنهم } .
964 - حدثنا أحمد بن داود بن موسى ، حدثنا ، حدثنا محمد بن كثير العبدي ، حدثنا سفيان الأعمش ، عن ومنصور ، عن أبي الضحى قال: بينما رجل يحدث في مسروق كندة ... ثم ذكر مثله ، غير أنه قال فيه : { يوسف فدخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال : اللهم أعني عليهم بسبع كسبع } .
[ ص: 423 ] فكان في هذا الحديث أن الدخان المذكور في الآية المذكورة فيه وفي الحديث الذي قبله من الآيات التي قد مضت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد روي ذلك عن من قوله في غير هذا الحديث : ابن مسعود
كما حدثنا ، حدثنا يزيد بن سنان ، حدثنا يحيى بن سعيد القطان ، حدثني فطر بن خليفة قال : سمعت مسلم بن صبيح يقول : قال مسروقا : عبد الله . خمس قد مضين : الدخان والقمر والروم والبطشة الكبرى واللزام
وكما حدثنا ابن أبي مريم ، حدثنا ، حدثنا الفريابي ... ثم ذكر بإسناده مثله . فطر بن خليفة
وكما حدثنا فهد ، حدثنا ، حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، عن مسلم قال : قال مسروق ... ثم ذكر مثله ، وزاد : { عبد الله فسوف يكون لزاما } .
فقال قائل : فكيف تقبلون هذا وقد رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما [ ص: 424 ] قد ذكرتموه في الباب الذي قبل هذا الباب في حديث حذيفة بن أسيد مما يوجب أن الدخان لم يكن بعد وأنه كائن قبل يوم القيامة .
وما قد روي عن من ما يحقق ذلك . أبي هريرة
965 - حدثنا الحسن بن غليب ، حدثنا عبد الله بن محمد المعروف بالبيطري ، حدثنا ، حدثنا سليمان بن بلال ، عن العلاء بن عبد الرحمن أبيه ، عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي هريرة بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها أو الدخان أو الدجال أو الدابة أو القيامة } ، ولم يذكر لنا في الحديث غير هذا .
[ ص: 425 ] فكان جوابنا له بتوفيق الله وعونه أن الدخان المذكور في أحاديث غير الدخان المذكور في حديثي ابن مسعود حذيفة ، وذلك أن الله قال في كتابه في سورة الدخان : وأبي هريرة بل هم في شك يلعبون ثم أتبع ذلك قوله تعالى : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين أي : عقوبة لهم لما هم عليه من الشك واللعب ، ومحال أن تكون هاتان العقوبتان لغيرهم ، أو يؤتى بهما بعد خروجهم من الدنيا وسلامتهم من ذلك الدخان .
فقال هذا القائل : قد قال الله عز وجل في هذه السورة : فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين والذي ذكره في حديثه ليس هو دخانا حقيقيا ، وإنما هو شيء كانت ابن مسعود قريش تتوهمه أنه دخان وليس بدخان ، وفيها أن إتيانه يكون من السماء وليس في حديث ذلك ، وإنما الذي فيه أنهم كانوا يرون من الجوع الذي حل بهم وأصابهم في الأرض أن بينهم وبين السماء دخانا . ابن مسعود
فكان جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه أن المذكور في حديث سمي دخانا على المجاز ، لتوهم ابن مسعود قريش أنه دخان في الحقيقة من الجهد الذي بها ، وإن لم يكن في الحقيقة كذلك ، كمثل ما روي { عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصة الدجال : أنه يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت } في حديث النواس بن سمعان مطلقا هكذا ، وفي حديث { عن النبي صلى الله عليه وسلم كذلك ، وفيه : [ ص: 426 ] ومعه نهران أنا أعلم بهما منه } ، وفيه : { ويأمر السماء فتمطر فيما يرى الناس } . جابر بن عبد الله
فدل ذلك أن المذكور في حديث النواس إنما هو من سحر الدجال لا من حقيقة له . وسنذكر هذا في ما بعد من كتابنا هذا في ما روي في الدجال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله ، فيحتمل ذلك ما كانت قريش تراه مما تراه دخانا جاز أن يقال : إنه دخان على المجاز وإن كان في الحقيقة بخلاف ذلك .
وأما قول الله جل وعز : يوم تأتي السماء بدخان مبين فهو ما روي فيه عن من ما قد ذكر في أحاديثه التي رويناها عنه ، ووجه بأن من الإضافة إلى السماء إنما كانت ، والله أعلم ؛ لأن الأشياء التي تحل بالناس من ربهم عز وجل تضاف إلى السماء من ذلك قوله تعالى : ابن مسعود يدبر الأمر من السماء إلى الأرض فأخبر جل وعز أن الأمور التي تكون في الأرض مدبرة من السماء إليها ، فمثل ذلك ما كان من تدبيره جل وعز في السبب الذي عاقب به قريشا لكفرها وعتوها عاقبها به حتى رأت من تلك العقوبة دخانا ، وليس في الحقيقة كذلك ، فأما ما في حديثي حذيفة من ذكر الدخان فهو على دخان حقيقي من ما يكون بقرب القيامة ، ونسأل الله تعالى خير عواقبه في الدنيا والآخرة ، وإياه نسأله التوفيق . وأبي هريرة