فصل ( ) . الإنكار على أهل الذمة
إذا فعل أهل الذمة أمرا محرما عندهم غير محرم عندنا لم نتعرض لهم وندعهم وفعلهم سواء أسروه أو أظهروه . هذا ظاهر قول أصحابنا وغيرهم لأن الله سبحانه وتعالى منعنا من قتالهم والتعرض لهم إذا التزموا الجزية والصغار وهو جريان أحكام المسلمين ، ولأن المقصود إقامة أمر الإسلام وهو حاصل لا أمر دينهم المبدل المغير ، ولأن الإقدام عليهم بإنكار ذلك والتعرض لهم فيه يفتقر إلى دليل والأصل عدمه لأن من كان منهم فاسقا في دينه قد يترتب عليه شيء من أحكام الدنيا فلا تصح شهادته مطلقا ولا وصيته إلى غيره ولا وصية غيره إليه .
وإن فعلوا أمرا محرما عندنا فما فيه ضرر أو غضاضة على المسلمين يمنعون منه ويدخل فيه نكاح مسلمة ويدخل فيه ما ذكره في جزء له أنهم إن تبايعوا بالربا في سوقنا منعوا لأنه عائد بفساد نقدنا فظاهر هذا أنا لا نمنعهم في غير سوقنا ، والمراد إن اعتقدوا حله . القاضي
وفي الانتصار فيما إذا عقد على محرم هل يحل ؟ إن أهل الذمة لو اعتقدوا بيع درهم بدرهمين يتخرج أن يقروا على وجه لنا ، فظاهر هذا بل صريحه أن الأشهر منعهم مطلقا لأنهم كالمسلمين في تحريم الربا عليهم كما ذكروه في باب الربا ويدخل فيه ما ذكره وفي هذا الجزء أنه لا يجوز [ ص: 188 ] أن يتعلموا الرمي وكذا القاضي من الخمر والخنزير وأعيادهم وصليبهم وضرب الناقوس وغير ذلك ، وكذا إن أظهروا بيع مأكول في نهار رمضان كالشواء منعوا ذكره يمنعون مما يتأذى المسلمون به كإظهار المنكر في الجزء المذكور أيضا . القاضي
وقال الشيخ تقي الدين فيما إذا أظهر أحد من أهل الذمة الأكل في رمضان بين المسلمين ينهون عنه فإن هذا من المنكرات في دين الإسلام كما ينهون عن إظهار شرب الخمر وأكل لحم الخنزير انتهى كلامه .
وإن تركوا التميز عن المسلمين في أحد أربعة أشياء : لباسهم وشعورهم وركوبهم وكناهم ألزموا به ولا يمنعون من نكاح محرم بشرطين ( أحدهما ) أن لا يرتفعوا إلينا ( والثاني ) أن يعتقدوا حله في دينهم ; لأن ما لا يعتقدون حله ليس من دينهم فلا يقرون عليه كالزنا والسرقة ، وهذا الحكم من أصحابنا في هذه المسألة بهذا التعليل دليل على أن كل أمر محرم عندنا إذا فعلوه غير معتقدين حله يمنعون منه ويوافق هذا المعنى قولهم لا يلزم الإمام إقامة الحدود عليهم فيما يعتقدون تحريمه خاصة سواء كان الحد واجبا عليهم في دينهم أم لا استدلالا بفعله عليه الصلاة والسلام في رجمه اليهوديين الزانيين ولأنه محرم في دينهم .
وقد التزموا حكم الإسلام وذلك لأن تحريمه عندنا مع اعتقادهم تحريمه يصير منكرا فيتناوله أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولأنهم التزموا الصغار وهو جريان أحكام المسلمين عليهم إلا فيما اعتقدوا إباحته وما ذكر من إنكار ما هو محرم عليهم عندنا مع اعتقادهم تحريمه أعم من أن يكون التحريم عاما لنا ولهم ، أو عليهم خاصة في ملتهم وقررت شريعتنا تحريمه عليهم ، وذلك لاتفاق الملتين على تحريمه كما لو كان التحريم عاما لنا ولهم لعدم أثر اختصاصهم بالتحريم ، إذ لا يشترط في إنكار [ ص: 189 ] المحرم أن يكون التحريم عاما للفاعل ولغيره وعلى هذا نمنعهم من ولأن تحريمها باق عند الإمام تبايعهم الشحوم المحرمة عليهم في دينهم لأكلها أو لغيره رضي الله عنه ولهذا نص على أنه لا يجوز لنا أن نطعمهم شيئا من هذه الشحوم وعلى هذا تحرم إعانتهم على ذلك والشهادة فيه . أحمد
وفي الصحيحين عن { جابر اليهود إن الله تعالى لما حرم عليهم الشحوم أجملوها فباعوها جملة } وأجمله أي أذابه . أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم بيع الخمر والميتة ولحم الخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس ؟ فقال لا ، هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك قاتل الله
وثبت في السنن من حديث { ابن عباس } رواه أن الله عز وجل إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه أبو داود وغيره ، والمراد ما المقصود منه الأكل فيتبعه غيره وتحريمه عام فلا يرد عبد وحيوان محرم وموطوءة الأب يرثها ابنه ونحو ذلك ، واختار نسخ تحريم هذه الشحوم جزم به في كتاب الروايتين له ، وفيه نظر . أبو الوفاء ابن عقيل
وفي المفيد من كتب الحنفية في باب الغصب : ويمنع الذمي من كل ما يمنع المسلم منه إلا شرب الخمر وأكل الخنزير لأن ذلك مستثنى في عقودهم ، ولو غنوا وضربوا بالعيدان منعوا كما يمنع المسلمون لأن ذلك لم يستثن في عقودهم .